القتل، ففرغت من عهدي، واغتسلت وتوضأت ولبست كفني وتحفظت ثم نهضت فدخلت عليه السرادق، وهو قاعد على فراش قد نظم بالدر الأبيض والياقوت الأحمر والزمرد الأخضر، وابن أبي ذؤيب وابن سمعان قاعدان بين يديه. ثم التفت إلي وقال: أما بعد - معشر الفقهاء - فقد بلغ أمير المؤمنين عنكم ما أخشى صدره، وضاق به ذرعه، وكنتم أحق الناس بالكف عن ألسنتكم، والأخذ بما يشبهكم، وأولى الناس بلزوم الطاعة والمناصحة في السر والعلانية لمن استخلفه الله عليكم.
قال مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.
فقال أبو جعفر: ذلك أي الرجال أنا عندكم؟ أمن أئمة العدل أم من أئمة الجور؟
فقال مالك: يا أمير المؤمنين، إنا نتوسل إليك بالله تعالى وأتشفع إليك بمحمد وبقرابتك منه إلا ما أعفيتني عن الكلام في هذا.
فقال: قد أعفاك أمير المؤمنين.
ثم التفت إلى ابن سمعان فقال له: أيها القاضي، ناشدتك الله تعالى، أي الرجال أنا عندك؟
فقال ابن سمعان: أنت والله خير الرجال يا أمير المؤمنين، تحج بيت الله الحرام، وتجاهد العدو، وتؤمن السبل ويأمن الضعيف بك أن يأكله القوي وبك قوام الدين، فأنت خير الرجال وأعدل الأئمة.
ثم التفت إلى ابن أبي ذؤيب فقال له: ناشدتك الله، أي الرجال أنا عندك؟
فقال: أنت والله عندي شر الرجال، استأثرت بما لله ورسوله، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين، وأهلكت الضعيف، وأتعبت القوي، وأمسكت أموالهم فما حجتك غدا بين يدي الله؟
فقال له المنصور: ويحك ما تقول؟ أتعقل؟ انظر ما أمامك؟
قال: نعم، قد رأيت أسيافا، وإنما هو الموت ولا بد منه، عاجله خير من آجله.
ثم خرجا وجلست، قال المنصور: إني لأجد رائحة الحنوط عليك؟
قلت: أجل لما نمى إليك عني ما نمى جاءني رسولك في الليل ظننت القتل،