الأمصار، ونعهد إليهم ألا يخالفوها، ولا يقضوا بسواها).
وقوله: إنما العلم عند أهل المدينة، فضع للناس العلم.
وكيف لا يقول (لا أقبل صرفا وعدلا) وقد اشتهر بعدائه لعلي؟!
قال صاحب كتاب (موقف الخلفاء العباسيين من أئمة المذاهب الأربعة):
فإذا تأملنا آراء مالك فيما يتعلق بقضية التفضيل بين الخلفاء الراشدين، نجد الإمام ينفرد عن غيره، فهو يرى أنهم ثلاثة لا أربعة، وهو يجعل خلافة الراشدين في أبي بكر وعمر وعثمان، ويجعلهم في مرتبة دونها سائر الناس. وأما علي فإنه في نظره واحد من جملة الصحابة، لا يزيد عنهم بشئ (1) وقد عزا البعض من الكتاب سبب تعديل المنصور سياسته نحو أهل الأثر وتقريبه لمالك بن أنس والطلب من مالك أن يضع الموطأ بقوله (ضعه فما أحد أعلم منك (2)) أنه كان خوفا من ازدياد نفوذ الإمام الصادق سياسيا وعلميا، إذ أن اجتماع أربعة آلاف راو عنده كل يوم يأخذون عنه العلم لم يكن بالشئ السهل على الخليفة، وإن تقوية هذه الحلقة تعني تضعيف المخطط الحكومي والسياسة العامة للبلاد (3).
لكنا نرجح أن يكون - الطلب مضافا إلى ما قيل - كان يخضع إلى عامل سياسي آخر، أملته عليهم الظروف السياسية الحاكمة آنذاك، خصوصا بعد قيام النفس الزكية في المدينة وأخيه إبراهيم في البصرة، فالمنصور قد شدد سياسته ضد العلويين بعد الظفر بمحمد وأخيه إبراهيم، وإنك ستقف لاحقا على نماذج من تلك السياسة المبتنية على الرعب والإرهاب وأساليب كشف المخالفين والمناوئين وفق عباداتهم وفقههم، وبذلك يحتمل أن يكون طلب المنصور من مالك تدوين السنة جاء لتأصيل الفقه والحديث وتوحيد العلم وإبعاد فقه الطالبيين