غني في وجوده عن المؤثر، ومفتقر في زواله إلى المؤثر، فمع الفحص وعدم الوقوف على الدليل الرافع يجب الحكم ببقاء الثابت، وإلا لزم الحكم بانتفاء الثابت لا لمؤثر. الثاني: أن المقتضي للتنجيس موجود فيجب الحكم ببقائه عملا بالمقتضي السالم عن المصادم. الثالث: الألفاظ الدالة على ثبوت التنجيس عند ملاقاة النجاسة مطلقة، فيجب الحكم بالنجاسة عملا بالإطلاق.
ويؤيد الحكم ببقاء الثابت الحكم ببقاء الطهارة ما لم يعلم الحدث، وببقاء الديون ما لم يعلم السقوط، وببقاء نجاسة الأواني والثياب ما لم تعلم الطهارة، وليس الحكم بذلك مستندا إلى مورد الشرع، بل تعليلا بتيقن الواقع وعدم العلم بالرافع.
فإن قيل: متى يكون الثابت غنيا عن المؤثر إذا كانت ذاته قابلة للبقاء، أم إذا لم يكن؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع، ونحن لا نسلم أن نجاسة الماء باقية، فما المانع أن يكون كالصوت الذي لا يبقى، فلا يفتقر زوالها إلى المؤثر، ويفتقر تجددها. سلمنا أن النجاسة قابلة للبقاء، لكن مع قبولها لا تخرج عن كونها ممكنة، والممكن الخاص في قبوله للوجود والعدم على السواء، فلو افتقر في عدمه إلى المؤثر لافتقر في بقائه. سلمنا أن الثابت غني في وجوده عن المؤثر، لكن لا نسلم أن حصوله في الزمان الثاني غني عن المؤثر، فإن هذا الحكم زائد على المعقول من ذاته، وهو أمر متجدد، فيفتقر فيه إلى المؤثر.
ثم نقول: حاصل ما ذكرته يرجع إلى التسوية بين موضع الخلاف وموضع الوفاق، وهو خطأ من وجوه: أحدها: أن ذلك قياس، وهو متروك عندنا. الثاني:
لا بد من اشتمال محل الخلاف على وصف ليس بحاصل في محل الوفاق أو بالعكس، وإلا لما تحقق الاختلاف، ومع التفاوت لا تجب المساواة. أو نقول: إما أن يكون بين الصورتين تفاوت وإما أن لا يكون، فإن لم يكن فهو استدلال بالشئ على نفسه، وإن كان فهو قياس مع ثبوت الفارق. الثالث: الحكم