393 - 5 الثانية قوة الايمان وارتفاع التهمة فيما ورد في أمر الرزق وباقي المقدرات كما قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب... إلى آخر الآيتين (22 - 23 - الحديد) فان من عرف ان الله أرأف به من نفسه واعرف بمصالحه ويرى من دقائق الطافه وما له عليه من النعم التي لا تحصى مما حرمها غيره، فإنه يرضى عنه وعما يفعله فيه، وان تألم طبعه فذلك لا يقدح، وانما المعتبر في هذا نفسه القدسية والرضاء من صفاتها لا من صفات الطبع، وأتم حال من في هذه المرتبة ان يجعل ارادته تبعا لحكم الشرع في نفسه لا في غيره، دون غرض له غير ما عينه الشرع.
394 - 5 الثالثة هي أعلى مراتب الرضاء ان يصحب العبد الحق لا لغرض ولا توقع مطلب معين ولا ان يكون علة صحبته له ما يعلمه من كماله أو بلغه عنه أو عاينه، بل صحبة ذاتية لا يتعين لها سبب، وكل أمر وقع في العالم أو في نفسه يراه كالمراد له فيلتذ به، ولا يزال من هذا حاله في نعمة دائمة لا يتصف بالذلة والألم، وعزيز صاحب هذا المقام قل ان يوجد، وسبب قلة ذائقية امران: عزة المقام في نفسه، لأنه شأن من يناسب الحق في شؤونه بحيث يسره كل ما يفعله الحق وكأنه المختار له، والاخر كون الطريق إلى تحصيله مجهولا.
395 - 5 ولما كان الانسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر ما، لان الطلب وصف لازم لحقيقته، فليجعل متعلق طلبه مجهولا الا من جهة واحدة، هو ان يكون متعلق طلبه ما شاء الحق احداثه في نفسه أو في غيره، فيحصل له اللذة بكل واقع منه أو فيه أو في غيره، فان اقتضى الواقع التغير، تغير ملتذا به - لطلب الحق منه التغير - 396 - 5 وما رأيت بعد الشيخ رضي الله عنه من قارف هذا الا شخصا واحدا اجتمعت به في المسجد الأقصى، هو أكبر من لقيت، اعرف له من العجائب ما لا يقبله أكثر العقول. تم كلامه.