وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره؟! فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي: كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت به الأنبياء. بل ههنا من الأدوية التي تشفى من الأمراض، ما لم يهتد إليها عقول أكابر الأطباء، ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم -: من الأدوية القلبية والروحانية، وقوة القلب، واعتماده على الله، والتوكل عليه، والالتجاء إليه، والانطراح والانكسار بين يديه، والتذلل له، والصدقة والدعاء، والتوبة والاستغفار، والاحسان إلى الخلق، وإغاثة الملهوف، والتفريج عن المكروب. فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم - على اختلاف أديانها ومللها - فوجدوا لها: من التأثير في الشفاء، ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء، ولا تجربته، ولا قياسه.
وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا كثيرة، ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية، بل تصير الأدوية الحسية عندها بمنزلة الأدوية الطرقية عند الأطباء. وهذا جار على قانون الحكمة الإلهية: ليس خارجا عنها. ولكن الأسباب متنوعة: فإن القلب متى اتصل برب العالمين، وخالق الداء والدواء، ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما يشاء -: كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه، المعرض عنه. وقد علم أن الأرواح متى قويت وقويت النفس والطبيعة: تعاونا على دفع الداء وقهره، فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه، وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به، وحبها له، وتنعمها بذكره، وانصراف قواها كلها إليه، وجمعها عليه، واستعانتها به، وتوكلها عليه - أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية، وتوجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلمة؟! ولا ينكر هذا إلا أجهل الناس، وأعظمهم حجابا، وأكثفهم نفسا، وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الانسان (1). وسنذكر - إن شاء الله - السبب الذي به أزالت قراءة الفاتحة داء اللدغة عن اللديغ، التي رقى بها فقام حتى كان ما به قلبة (2).