الجن والإنس (1). وقال ابن كثير قولهم (ماذا أراد بهذا مثلا) أي يقولون ما الحكمة في ذكر هذا ههنا؟ قال تعالى: (كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) أي من مثل هذا - القول - وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام ويتزلزل عند آخرين. وله الحكمة البالغة والحجة الدافعة، وقوله تعالى: (وما يعلم جنود ربك إلا هو) أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط (2).
ومن المعروف أن أهل الكتاب قبل البعثة كانوا يضعون أعينهم على مكة، لعلمهم من كتبهم أن النبي سيبعث من هناك. وبعد نزول الوحي في مكة كان لصفات النبي صلى الله عليه وآله عند أهل الكتاب أثر كبير عند المسلمين.
وكذلك الإخبار بعدد ملائكة النار، وهذا الإخبار وإن كان زاد الذين آمنوا إيمانا.
إلا أن حكمة الله البالغة كشفت من خلاله تيارا كان الارتياب مادته في مكة.
والمتدبر في حركة الواقع المكي عند مبعث النبي صلى الله عليه وآله يجد أنه مجتمع إنساني. والمجتمع الإنساني لا يخلو من أصحاب المصالح، وقد يكون النفاق جلبابا مهما لهؤلاء. وحلل النفاق لا تنحصر في المخافة والاتقاء، أو الطمع من خير معجل، فإن من علله أيضا الطمع ولو في نفع مؤجل. ومنها أيضا العصبية والحمية، ولا دليل على انتفاء جميع هذه العلل عن أهل مكة أو عن الذين آمنوا بالدعوة قبل الهجرة. فما بين أيدينا من كتب التاريخ والتراجم يذكر فيها أن فيهم من آمن ثم رجع، أو ارتاب ثم صلح. ومن الممكن أن يكون هناك من يرتاب في دينه فيرتد ويكتم ارتداده، كما في قول الله تعالى: (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون) (3). فلا يبعد أن يكون في هؤلاء من آمن حقيقة ثم ارتد وكتم ارتداده، فطبع الله على قلبه بحيث لا يقبل الحق ولا يتبعه ويتبع هواه وفقا لبرنامج الشيطان. ويكون بخاتم الطبع قد