طلب الصلاح والخير إلى السعي في الأرض لأجل الفساد والإفساد (1)..
فهذا الذي يخالف ظاهر قوله، باطن قلبه. إذا سعى في الأرض بالفساد، فإنما يفسد بما ظاهره الاصلاح بتحريف الكلمة عن موضعها، وتغيير حكم الله عما هو عليه، والتصرف في التعاليم الدينية. بما يؤدي إلى فساد الأخلاق واختلاف الكلمة. وفي ذلك موت الدين وفساد الدنيا. وقد صدق هذه الآيات ما جرى عليه التاريخ من ولاية رجال وركوبهم أكتاف هذه الأمة الإسلامية.
وتصرفهم في أمر الدين والدنيا بما لم يستعقب للدين إلا وبالا. وللمسلمين إلا انحطاطا. وللأمة إلا اختلافا فلم يلبث الدين حتى صار لعبة لكل لاعب. ولا الإنسانية إلا خطفة لكل خاطف.
وقيل: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد..) السعي هنا هو القصد كما قال أخبارا عن فرعون (ثم أدبر يسعى فحشر فنادى أنا ربكم الأعلى).. فهذا المنافق ليس له همه إلا الفساد في الأرض وإهلاك الحرث.. (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم) أي إذا وعظ هذا الفاجر، وقيل له اتق الله، امتنع وأبى وأخذته الحمية والغضب بالإثم. وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر، يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا، قل أفأنبئكم بشر من ذلكم. النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ". ولهذا قال في هذه الآية: (فحسبه جهنم ولبئس المهاد) أي هي كافيته عقوبة هي ذلك (2).
إن أطروحة النفاق ترى بوضوح إذا سقطت عليها أشعة منهج العبادة الحق.
لأن المنافقين على امتداد التاريخ الإنساني بعضهم من بعض، يحكم عليهم نوح من الوحدة النفسية. وهذه الوحدة تضعهم في قالب ذي أوصاف واحدة. ومهمة هذه الطروحات على امتداد التاريخ وضع البشرية على أعتاب الكوارث، لأن بنيانها أسس من ماء الكذب ووضع على شفا جرف هار. لا خير فيه ولا فائدة.