لقومه (أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) (1). قال المفسرون: أي إذا كنت على بينة من ربي، على يقين ونبوة صادقة، وخفيت عليكم فلم تهدوا إليها ولا عرفتم قدرها بل بادرتم إلى تكذيبها وردها (أنلزمكموها) أي: أنغصبكم بقبولها وأنتم لها كارهون (2). وقال في الميزان: معناه عندي ما يحتاج إليه رسول الله في رسالته، وقد أوقفتكم عليه، لكنكم لا تؤمنون به طغيانا واستكبارا، وليس علي أن أجبركم عليها، إذ لا إجبار في دين الله سبحانه. والآية من جملة الآيات النافية للإكراه في الدين، وتدل على أن ذلك من الأحكام الدينية المشرعة في أقدم الشرائع، وهي شريعة نوح عليه السلام. وهذا الحكم باق على اعتباره حتى اليوم من غير نسخ (3).
كان هذا في شريعة صدر البشرية الأول، وفي عصر الرسالة الخاتمة. قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) (4). قال المفسرون: نفي الدين الإجباري.. فالاعتقاد والإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الاكراه والإجبار. فإن الاكراه إنما يؤثر في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنية، أما الاعتقاد القلبي فله علل وأسباب أخرى قلبية (5).
فالدعوة تقف على أرضية لا إكراه في الدين، والداعية يقف على أرضية الخلق العظيم، قال تعالى لرسوله (وإنك لعلى خلق عظيم) (6) ومحاورة صاحب الخلق العظيم لخصومه تشع بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (7).