وترتب على ما سبق خوف الصحابة من الرواية كان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي (1)، وقال: أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي. أما والله إذا لأيقنت أن المحففة ستباشر ظهري (2)، وقال: " ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر (3).
وقيل إن عدم الرواية كان حفظا للقرآن وخوفا من أن يتداخل الحديث مع القرآن، ولا يخفى ما في هذا القول من تساهل كبير. لأن القرآن إعجاز لو اجتمعت الإنس والجن كي يضعوا فيه ما ليس منه ما استطاعوا. ولا يصدق عاقل أن يقرأ إنسان نصف آية ثم يكملها بحديث أو نصف حديث. ويقول هذا من كتاب الله. فقول مثل هذا لا يلتفت إليه. لقد وضع عمر مبدأ عدم الرواية. ولكن نشأ عنه آثار جانبية مثل التي تنشأ عن الدواء الذي يستخدم في علاج داء معين ومن جملة تلك الآثار الجانبية تمسك بعض من الصحابة بمبدأ عمر في وقت كانت الرواية فيه بمثابة عودة الروح للجسد، ومن الأمثلة على ذلك. عن محمود بن لبيد قال: سمعت عثمان بن عفان على المنبر يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر (4)، ثم جاء معاوية بن أبي سفيان فقال: أيها الناس أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كنتم تحدثون فحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر (5)، ثم جاء عمر بن العاص ليشهد ويقسم. فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أقرأكم عمر فاقرؤا وما أمركم به فائتمروا (6)، ولا يخفى أن المسافة من عثمان إلى معاوية كنت في حاجة إلى أحاديث وأحاديث.