السنة. كأنهم يرون أن الأصل هو الأخذ بما فيه المصلحة لا بجزئيات الأحكام وفروعها (1)، ويقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: وكانوا إذا لم يجدوا نصا في القرآن والسنة يدل على حكم ما عرض لهم من الوقائع استنبطوا حكمه. وكانوا في اجتهادهم يعتمدون على ملكتهم التشريعية التي تكونت لهم من مشافهة الرسول، ووقوفهم على أسرار التشريع ومبادئه العامة. فتارة كانوا يقيسون ما لا نص فيه على ما فيه نص. وتارة كانوا يشرعون ما تقضي به المصلحة أو دفع المفسدة. ولم يتقيدوا بقيود في المصلحة الواجب مراعاتها. وبهذا كان اجتهادهم فيما لا نص فيه فسيحا مجاله وفيه متسع لحاجات الناس ومصالحهم (2).
كانت هذه بداية الرأي. فما هي محطة النهاية؟ يقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: في عهد الصحابة لما تعدد رجال التشريع منهم وقع بينهم اختلاف في بعض الأحكام وصدرت عنهم في الواقعة الواحدة فتاوى مختلفة وإن هذا الاختلاف كان لا بد أن يقع بينهم لأن فهم المراد من النصوص يختلف باختلاف العقول ووجهات النظر ولأن السنة لم يكن علمهم بها وحفظهم لها على السواء وربما وقف بعضهم منها على ما لا يقف عليه الآخر لأن المصالح التي تستنبط لأجلها الأحكام يختلف تقديرها باختلاف البيئات التي يعيش فيها رجال التشريع.
فلهذه الأسباب اختلفت فتاويهم وأحكامهم في بعض الوقائع والأقضية... ولما آلت السلطة التشريعية في القرن الثاني الهجري إلى طبقة الأئمة المجتهدين اتسعت مسافة الخلاف بين رجال التشريع ولم تقف أسباب اختلافهم عند الأسباب الثلاثة التي بنى عليها اختلاف الصحابة بل جاوزتها إلى أسباب تتصل بمصادر التشريع وبالنزعة التشريعية وبالمبادئ اللغوية التي تطبق في فهم النصوص. وبهذا لم يكن اختلافهم في الفتاوى والفروع فقط بل كان اختلاف أيضا في أسس التشريع وخططه وصار لكل فريق منهم مذهب خاص يتكون من أحكام فرعية استنبطت بخطة تشريعية