الناس في ضلال مبين. وهكذا تسلل الطريد إلى مائدة الامتحان. مهمته أن يدعو فقط إلى الضلال وقد زينه، وهو يدعو فقط لأنه لا يستطيع أن يجبر الناس على معصيته، ولما كانت حركة الشيطان على الأرض هكذا، فإن تسليط بعض من الضوء على البداية، قد يفيد لمعرفة منهجه في الاغواء والتزيين.
خلق الله تعالى آدم عليه السلام، وأمر بالسجود له، فسجد الملائكة، وكان إبليس من الجن وداخل فيهم، فأبى أن يسجد فخاطبه تعالى: (قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين) (1) فجاء الرد الذي تحتوي كلماته على منهج الشيطان الكامل (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) (2)، لقد أكله الحسد وهو الذي شاهد المقدمة حيث التراب والطين والصلصال. وعندما عاين العلم والحركة والحياة كنتيجة للمقدمة، دفعه الحسد إلى المقدمة حيث الحمأ المسنون متعاميا عن النتيجة استكبارا عليها. إنه الصغار والجمود بعينه، ودعوة أولى لرفض النظر في آيات الله. وفي اعتراض الشيطان تلويح، بأن الأمر الإلهي إنما يطاع إذا كان حقا والأمر بالسجود لآدم ليس حقا.
والمتدبر في آيات الله، يجد أن الشيطان قبل رفضه السجود لآدم، كانت حجة الله قد دثرته. وهذه الحجة أن الله تعالى أمره فيمن أمر بالسجود، فالأمر حجة بذاته. وخروج الشيطان عنه هو خروج باختيار وليس عن جبر. كما يجد المتدبر أيضا أن في ردود الشيطان على الله تعالى، لم تكن ردودا جوفاء، وإنما تحمل منهجا كاملا في الضلال وهذا المنهج له مهمة واحدة، هي الصد عن العبادة الحق.
ومن أجل هذا اعتمد المنهج على عمود يفصل أنبياء الله ورسله عليهم السلام عن أبناء آدم فلا يصل إليهم الهدى. وعمود يعمل على الصراط المستقيم من أجل إعاقة الطريق أمام الفطرة حتى لا تصل إلى غايتها الحق. وعمود يعمل على إرساء قواعد الشذوذ ومهمته تصفية كل ما هو طاهر على امتداد المسيرة البشرية بعد رحيل