إذا رأوا المصلحة في خلافها. كأنهم كانوا يقيدون نصوصه المطلقة بقيد غير مذكور لفظا، وكأنهم كانوا يفهمونه من قرائن أحواله. وتقدير ذلك القيد " افعلوا كذا إن رأيتموه مصلحة " (1)، وهكذا حذر النبي من تأول غير الراسخين في العلم. لأن تأولهم يفتح الأبواب للذين في قلوبهم زيغ. فيدقون أوتاد الفتن ويقيمون خيام الهلاك التي أقيمت من قبل للأمم السابقة. وكما حذر النبي من الرأي والتأويل الذي لا يستند على كتاب الله وسنة رسوله. حذر أيضا من السلوك في طريق الخشوع الزائف. لأن هذا النوع من الخشوع من فضيلة ضرب كتاب الله بعضه ببعض. فأصحاب الخشوع الزائف شربوا من إناء الذين في قلوبهم زيغ. ولأن حركة أصحاب الخشوع الزائف تضيق الطريق أمام أصحاب الخشوع الحق. بتلبيس الأمور على الناس فإن النبي صلى الله عليه وآله عاتب أصحاب هذا الخشوع ووبخهم وذمهم في أكثر من موضع. روى الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله رخص في أمر فتنزه عنه ناس من الناس فبلغ ذلك النبي فغضب ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشئ أصنعه.
فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية (2)، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة فصام حتى بلغ كراع الغميم (3) وصام الناس معه فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون إليه. فأفطر بعضهم وصام بعضهم. فبلغه أن ناسا صاموا فقال: أولئك العصاة (4)، وروى الإمام أحمد: إن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ الناس. فرفع رجل صوته بالبكاء. فقال النبي: من هذا الذي لبس علينا إن كان صادقا شهر نفسه وإن كان كاذبا محقه الله " (5)، وروى أحمد أيضا عن ابن الأدرع قال: انطلقت مع