النمط البشري نزل فيه قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل) (1)، وهذه الآية خطاب مع المؤمنين لا مع المنافقين. وفيها أوضح دليل على أن أصحابه المصدقين لدعوته كانوا يعصونه ويخالفون أمره وهذا النمط المتخاذل عاتبهم الله ووبخهم بقوله تعالى: (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) (2).
كان هذا في ميادين القتال، وفي داخل المسجد لم يختلف الأمر كثيرا.
فالذين أحبوا الدنيا في المعركة أحبوها أيضا والرسول صلى الله عليه وسلم قائم يخطبهم يوم الجمعة. وهذا إن دل على شئ. فإنما يدل على الاستهانة بما هو من أعظم المناسك الدينية. ويكشف أنهم لم يقدروها حق قدرها ولا نزلوها منزلتها. ولقد اتفقت الروايات على أنه ورد المدينة عير معها تجارة وذلك يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فضرب أصحاب التجارة بالطبل والدف لإعلام الناس. فانفض أهل المسجد إليهم وتركوا النبي قائما يخطب وذلك في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) (3)، أيستبعد على هذا النمط بعد ذلك أن يصادر الحكمة والبلاغة وأن يترك من هو دون الرسول إذا قام فيهم أو ساقهم إلى ما فيه سعادتهم الحقيقية.
ومن دائرة حب الدنيا ننتقل إلى دائرة تفسير النصوص وفيها نرى أن العديد منهم كان يفتح أبواب الرأي والنبي في وسطهم. ولقد حذرهم النبي من هذا.
لأن هذا الباب إذا فتح فسيدخل منه أمور لم يرد لها ذكر في الكتاب والسنة.
روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع أصوات رجلين اختلفا في آية. فخرج يعرف في وجهه الغضب وقال: " إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في