والعبودية إذا تمكنت من نفس العبد رأى ما يقع عليه بصره وتبلغه بصيرته مملوكا لله، خاضعا لأمره، ووجد أن كل ما آتاه الله فهو من فضله سبحانه، وما منعه فإنما منعه عن حكمة، وعلم أن هناك غاية مقصودة من خلق العالم ستظهر بعد فناء العالم.
وطريق العبودية فتحه الله وهدى عباده إليه، واللبنة الأولى في هذا الطريق هي الفطرة، أودع فيها سبحانه ميثاق الربوبية الذي شهد به الإنسان عند العتبة الأولى في طريق العبودية، قال تعالى: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) (1).
لقد أخذ جل شأنه الميثاق - ف موطن قبل الدنيا - من عباده في عالم الذر (ألست بربكم؟) خطاب حقيقي وتكليم إلهي، (قالوا بلى شهدنا) إنهم يفهمون مما يشاهدون، إن الله سبحانه يريد منهم الاعتراف وإعطاء الموثق، فشهد كل إنسان على نفسه، ولم يعد لأحد منهم حجة على الله يوم القيامة، ليقول أنه كان غافلا في الدنيا عن ربوبيته تعالى، ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة.
وكما هدى الفطرة إلى معرفته تعالى، ألهم النفس الإنسانية التجنب عن الفجور والورع عن محارم الله، فجعل نهيه سبحانه عن فعل حجاب مضروب، فإذا اقترب الإنسان المنهي عنه يكون قد شق الستر المضروب وخرق الحجاب. قال تعالى: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) (2).
إن النفس ملهمة كي تميز بين الفجور والتقوى. ووضع لبنة التقوى فيها. تزكية وإنماء وتزويد لها بما يمدها في بقائها على طريق غايتها، قال تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا