وكان عمر يحمل بين جنبيه إحساسا يجعله على قرار النبي صلى الله عليه وآله في الأمر والنهي، وإن كان هذا الإحساس يبلغ أحيانا أوجه، فيكون أبو حفص الآمر والنبي صلى الله عليه وآله المأمور!
وإلا فليس لنا تفسير لقول عمر للنبي صلى الله عليه وآله: " لا تفعل فإني أخشى... "، فهذه عبارة تبين بكل وضوح أن عمر أجلس نفسه في ذلك المقام الذي أشرنا إليه: مقام الآمر والناهي لرسول الله.
وبقوله: " إني أخشى... " يبين إحساسه بعدم قصوره عن النبي صلى الله عليه وآله في شئ، وكأنه يقول لرسول الله الكريم: إن كنت ترى تبشير الناس بالجنة - حين يستيقنون من وحدانية الله - أمرا لا بأس فيه. فأنا أرى أنه ليس صحيحا! إذا، فقد تساوت كفته مع كفة النبي صلى الله عليه وآله!!
وهو بقوله: " لا تفعل " يبين إحساسه بصواب رأيه وعدم صواب قول النبي صلى الله عليه وآله!
وليس هذا فحسب، إذ يتضمن ذلك الإحساس أيضا إحساسه بالأمر والنهي للنبي صلى الله عليه وآله، وهنا تترجح كفة عمر!... فلو كان الأمر مجرد نظر من عمر ورأي ليس له قوة الأمر لأخذ شكلا آخر، ولكن القرائن تشير إلى أن عمر لم يكن يحمل في نفسه إلا الشعور بالأمر والنهي، ولم يتعقب أبا هريرة ويلحق به إلا لينهى النبي صلى الله عليه وآله عن هذا الأمر! وضربه لأبي هريرة بتلك الصورة لأكبر دليل وأدل قرينة على ذلك، لأن النزعة الآمرة والناهية في نفس عمر جعلته يشعر بوقوع حتى أبي هريرة في الغلط، واشتراكه في اجتراح الخطأ.
وإحساس عمر تجاه النبي صلى الله عليه وآله يتضح عملا في تصرفه مع أبي هريرة بهذه الصورة.
على أن هذا الإحساس العملي تجاه النبي صلى الله عليه وآله لا يظهر من عمر إلا في شخص رسول رسول الله، وذلك لاستضعافه المسكين أبا هريرة. ولما كان هذا الإحساس منه تجاه النبي صلى الله عليه وآله يغور في أعماقه دون الظهور إلا في ألفاظه وأقواله تراه يتضح في الاعتراضات والمخالفات التي لا يسمح عمر الآمر والناهي بإخفائها في أعماقه.. ولهذا قال للنبي صلى الله عليه وآله " لا تفعل " بكل ارتياح. ولو كان عمر قانعا بقوله تعالى في شأن مقام النبي صلى الله عليه وآله: ﴿وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى﴾ (1)، ولو فهم منه عصمة النبي صلى الله عليه وآله وأن قول