في شئ إن لم تفقه في كل شئ، لا ترى إلا التسليم التام والخضوع الكامل أمام أوامر ونواهي رسول الله صلى الله عليه وآله.
فالذين هم في إعجاب بشخصية أبي حفص يفسرون تلك التصرفات العمرية تجاه كلام أو فعل النبي صلى الله عليه وآله، بالاجتهاد والشجاعة في قول الحق، فوصفوا عمر بأنه لا يخشى في الحق لومة لائم! فشخصية عمر لم تكن ترضى بالانقياد، بل تسعى دوما لأن تكون على دفة القيادة ومقام الريادة.
وفي الحقيقة، إننا نتساءل عن الاجتهاد العمري هذا.. على أي أساس ابتنى؟ فإن كان قد قام على أساس العلم والإدراك لمسائل الدين، فمعنى هذا أنه يفترض تفوقه العلمي على رسول الله صلى الله عليه وآله! غير أن عمر لا يمكن أن يكون أعلم الصحابة، فضلا أن يترجح علما على النبي صلى الله عليه وآله.
وإن كانت جرأته هذه قد ابتنت على غيرة اتصف بها أبو حفص على الدين، فلا يمكن أن نقبل أن غيرته على الدين قد فاقت ما لكثير من الصحابة من غيرة على الإسلام، فضلا عن الغيرة التي كان يتمتع بها النبي الكريم على دين الله فهذا أساس لا يجيز لعمر أن يقيم عليه اجتهادا قبال ما يصدر من النبي صلى الله عليه وآله، أو يقيم عليه تصرفا يخرجه من دائرة التسليم للوحي. ونحن لا يمكن أن نجد قولا أو فعلا أو تقريرا لشخص يضاهي ما للرسول صلى الله عليه وآله من ذلك كله، فلو كان المعصوم من الناس لا يسعه - على رغم عصمته - إلا التسليم لما جاء به الوحي، وليس له بعصمته هذه مجوز لمخالفة ما أثبته الوحي الإلهي.. فكيف بعمر الذي قضى ردحا من الزمان يسجد للأحجار؟! إن العصمة لا تضمن لصاحبها إلا صحة الاتباع والاقتداء بالوحي، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله إلا مأمورا بأن يبلغ ويفعل ما يؤمر به. فإن كان لا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله الاجتهاد في مقابل الوحي - وهو المعصوم - فبأي شئ ومن أي طريق جاز ذلك لعمر بن الخطاب؟!!
وإذا فرض علينا المعجبون بعمر اجتهاداته ضد النصوص النبوية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فلا يستطيعون أن يفرضوا علينا اجتهاداته ضد أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وآله والنبي على قيد الحياة. ثم إنهم كثيرا ما يصورون لنا أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقر عمر على رأيه الذي خالف