لرحمته الشديدة بهم ورأفتهم عليهم، فرحمة النبي صلى الله عليه وآله بالناس وحكمته أوجبت عليه استئلاف قوم ابن أبي بهذه الصلاة، ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لم يقصد بهذه الصلاة ابن أبي على وجه الخصوص، لعلم النبي صلى الله عليه وآله السابق بعدم فائدة الاستغفار له، وإن بلغ فيه السبعين.
على أن النبي صلى الله عليه وآله طبقا لما جاء في الحديث لم ير أن باب الاستغفار قد أغلق، وأنه قد نهي عن الاستغفار، فقال: " فلو أعلم إن زدت على السبعين غفر الله لزدت... "، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فابن أبي كان يظهر الإسلام.
إذا، فهو من حيث الظاهر معدود من المسلمين، والرسول بصلاته على ابن أبي لم يخالف الدين في شئ، كما ظن عمر، بل أجرى حكم الظاهر في الإسلام فصلى على ابن أبي ومشى خلفه وقام على قبره، مع العلم أن منع الصلاة على المنافقين لم يصدر إلا بعد الصلاة وتمامها، كما علم.
هذا فيما يختص بشخص ابن أبي وما فعله النبي صلى الله عليه وآله تجاهه، غير أنه كان للنبي صلى الله عليه وآله حكمة ومرمى آخر لا ينتبه إليه إلا من كانت له فطنة النبوة، ولهذا لم يدركها عمر ومع عدم إدراكه هذا لم يسلم لنبي الإسلام العظيم ولم يفوض الأمر إليه تبعا للقرآن، فكان ما كان.
فما هي حكمة النبي صلى الله عليه وآله من صلاته على هذا المنافق؟
يقول ابن حجر: " إنما فعل ذلك له على ظاهر حكم الإسلام واستئلافا لقومه، مع أنه لم يقع نهي صريح. وروي أنه أسلم ألف رجل من الخزرج " (1) [والخزرج: هم قبيلة ابن أبي].
إذا، فحكمة النبي صلى الله عليه وآله في هذا الفعل هي استئلاف قوم ابن أبي وترغيبهم في الإسلام، وقد حدث هذا، إذ أسلم منهم لذلك ألف رجل.. ولهذا أسف أبو حفص وندم، وقال: " أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول الله [صلى الله عليه وآله] أن يصلي على ابن أبي فأخذت بثوبه، فقلت له: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال لك: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن تغفر الله لهم). فقال رسول الله: خيرني ربي، فقال: (استغفر لهم