وقد صادف عصره أواخر الدولة الأموية حيث دب فيها الضعف، وبداية الدولة العباسية حيث التظاهر بحب أهل البيت، مما أتاح الإمام الصادق عليه السلام من استكمال المدرسة التي بدأها سلفه الإمام محمد الباقر عليه السلام وتوسيعها إلى أن أصبحت جامعة كبرى لتربية التلاميذ ونشر العلوم والمعارف الإسلامية، حتى قيل إنه خلال فترة إمامته التي امتدت لأربع وثلاثين عاما " تمكن من تربية 4 آلاف تلميذ في مختلف العلوم.
وقد دار نشاط الإمام الصادق عليه السلام العلمي حول محورين أساسيين، هما: حماية العقيدة الإسلامية من التيارات العقيدية والفلسفية والإلحادية التي قويت في عصره، ونشر الإسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع وتثبيت معالمهما وحفظ أصالتهما.
ويقول أبو حنيفة النعمان وهو أحد أئمة المذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة: (عندما استدعى أبو جعفر المنصور الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام إلى العراق دعاني إليه لمناظرته، فكتب أربعين مسألة لطرحها على الإمام. وحين دخلت على المنصور وجدت الإمام الصادق جالسا " إلى يمينه فسلمت وجلست، وقدمني المنصور إليه، ثم أمر بطرح المسائل عليه، فكنت أسأله واحدا " واحدا "، وهو يجيب عنها واحدة واحدة، ومبديا " في كل مسألة آراء أهل المدينة وآراء أهل العراق وأخيرا " رأيه الخاص به. وكان رأيه موافقا " لآرائهم حينا " ومخالفا " حينا ". فعرفت أنه أعلم الناس وأعرفهم بعقائد أهل زمانه) (1).
ويقول مالك بن أنس، وهو إمام آخر من أئمة المذاهب الأربعة وأحد تلاميذ الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (كنت غالبا " أدخل على الإمام الصادق عليه السلام، فكان إما مصليا " أو قارئا " القرآن الكريم. ولم تر عين مثله، ولم تسمع أذن بمثله، ولم يخطر على بال أحد أن يكون هناك أوسع علما " وأكثر عبادة وزهدا " منه) (2).