وقد حفظته العناية الإلهية من القتل في كربلاء حيث كان مريضا " ولم يشارك في القتال، وأخذ مع بقية الأسرى إلى الكوفة ثم إلى الشام. وعندما هدده والي يزيد على الكوفة عبيد الله بن زياد بالقتل لاستنكاره علنا " ما اقترفته أيادي الأمويين أجابه: (أبالموت تهددني يا ابن مرجانة؟ نحن آل البيت الشهادة، والشهادة كرم لنا من الله) (1).
وهكذا فقد كان الإمام أثناء المدة القصيرة التي قضاها في الشام دائم الاستنكار لأعمال يزيد وتذكير الناس بما حصل في كربلاء، حتى أعيد مع النساء الهاشميات السبايا إلى المدينة حيث قضى بقية عمره الشريف هناك.
ولكنه لم يكن بمنأى من المضايقات المستمرة هناك من رجال بني أمية، فاختار طريق السرية في تربية نخبة من التلاميذ وإعدادهم، حتى وصل عددهم إلى مئة وسبعين تلميذا "، وأصبح كل واحد منهم عالما " نبراسا " في المجتمع الإسلامي. منهم: سعيد بن المسيب، سعيد بن جبير، محمد بن جبير، أبان بن تغلب، جابر بن محمد بن أبي بكر، القاسم بن محمد بن أبي بكر، جابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو حمزة الثمالي.
ومن أشهر آثاره العلمية التي خلفها (الصحيفة السجادية)، وهي مجموعة من الأدعية والمناجاة التي كتبها وأورثها لشيعته، وهذه الصحيفة عبارة عن موسوعة كبيرة لمبادئ الإسلام ومعرفة الله ومعرفة الإنسان. وقد لجأ الإمام ليعبر عن أفكاره ومبادئه عبر هذه الأدعية لأنه لم يكن يسمح له عبر غيرها كاعتلاء المنبر أو المجالس العامة، حيث كانت أدعيته ذات وجهين: عبادي واجتماعي.
ومن آثاره أيضا " (رسالة الحقوق) والتي تعد من أسمى الرسائل في أنواع الحقوق، يذكر فيها حقوق الله سبحانه وتعالى على الإنسان، وحقوق نفسه عليه، وحقوق أعضائه من اللسان، والسمع، والبصر، والرجلين، واليدين،