مصر كما سنرى لسبب ظاهر هو ارتباط العبرانيين بالحكام المستعمرين في مصر (الهكسوس) وبالتالي نظر الشعب لهم نظرة ريبة فلم يتم اختلاط بين هؤلاء وأولئك، ثم إن البوم كان شاسعا بين العقليتين، فالعبرانيون كانوا قوما بدوا لا ثقافة لهم، نزلوا بين أقوام لهم تاريخ ولهم حضارة، فلم يكن من السهل الاندماج بين الطائفتين (1). ثم أصبحت العزلة تقليدا يهوديا لا محيد عنه، وترتب على هذا الانعزال مجافاتهم لمن حولهم في جميع مراحل التاريخ، واعتبارهم من حولهم من الأمم أعداء لهم (2)، ويصف الدكتور وايزمان أول رئيس لإسرائيل طابع العزلة في اليهود بقوله: وكان اليهود في موتول (مسقط رأسه) بروسيا يعيشون كما يعيش اليهود في مئات المدن الصغيرة والكبيرة، منعزلين منكمشين، وفي عالم غير عالم الناس الذين يعيشون معهم (3). ثم اتجه الفكر اليهودي إلى اعتبار العزلة أساس حياة اليهود، وأدق صورة للتحريض على العزلة والتمسك بها، ما ذكره سلامون شختر في خطابه بمدرسة اللاهوت اليهودية العليا، حيث قال: إن معنى الاندماج في الأمم هو فقدان الذاتية، وهذا النوع من الاندماج مع ما يترتب عليه من النتائج، هو ما أخشاه أكثر مما أخشى المذابح والاضطهادات (4).
وتسبب عن هذه العزلة أحداث بالغة الخطورة، فقد نظروا إلى سواهم نظرة عداء وحذر، وبالتالي لم يدينوا بولاء إلى الوطن الذي يجمعهم بالآخرين، وإنما اتجهوا بولائهم إلى جماعاتهم، فأصبحت هذه الجماعة هي وطنهم، وهي دينهم، وهي موضع تقديسهم، وليس لهم بسواها صلة أو ارتباط. وقد نتج