وهكذا نجا إسماعيل من الذبح، ومن الواضح أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحق كما تذكر التوراة، فبالنسبة للاستدلال بالقرآن نجد أن البشرى بإسحاق جاءت بعد قصة الذبيح، أي أن إسحاق لم يكن قد ولد بعد عندما حدثت هذه القصة، وهذا يؤكد أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، ويؤكده كذلك نسق الآيات التي وردت مبشرة بمولد إسحاق، فقد ارتبطت بشارة المولد بأن الوليد سيكون نبيا وبأنه سيكبر ويتزوج ويولد له ولد يسمى يعقوب، قال تعالى:
- وبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحق يعقوب (2).
ومن التناقض أن يكلف الله إبراهيم بذبح غلام وعد الله أنه سيكون نبيا وأنه سيتزوج ويعقب.
وبالنسبة للتوراة يلحظ الباحث المدقق أن ما ورد بها عن تحديد الذبيح بأنه إسحق عمل مصنوع لم تتقن صنعته، فقد جاء في الأصحاح الثاني والعشرين من سفر التكوين (إن الله امتحن إبراهيم فقال له يا إبراهيم. فقال: هأنذا، فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحق. واذهب إلى جبل الموريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك... (3)) ووضع الاسم، (إسحق) مع كلمة (وحيدك) تناقض ظاهر لأن إسحق لم يكن وحيدا لإبراهيم في يوم من الأيام، فقد ولد وعمر إسماعيل أربع عشرة سنة كما نصت التوراة، وبقي إسماعيل وإسحق معا حتى مات إبراهيم ودفناه معا في مدينة حبرويه (الخليل) (4).
ودليل آخر نسوقه على كون الذبيح إسماعيل لا إسحق، ذلك هو أن كاتبي التوراة من اليهود دأبوا على محاولة إسناد الفضائل إلى أجدادهم، فإذ كان في قصة الذبح طاعة وامتثال فإنهم ينسبونها لإسحاق، وسنراهم