عنها الغلام وأمه بحيث لا يصل صوتهما إلى سمعها، ولا تقع عليها عينها.
أذعن إبراهيم لإرادتها وكأن الله أوحى إليه أن يطيع أمرها، فركب دابته واصطحب الغلام وأمه، وسار، وطال به السير، وامتد به الطريق، حتى وقف في تلك البقعة الجرداء، وترك لهما - كما جاء في رواية البخاري - جوابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، ثم اتجه إبراهيم عائدا، فنادته هاجر: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي؟ فلم يلتفت لها إبراهيم. فسألته الله أمرك بهذا! قال:
نعم. قالت: إذا لن يضيعنا. وكان إسماعيل وأمه بذرة العمران الذي شمل هذه المنطقة فيما بعد على ما فصلته كتب التاريخ (1).
ولما ينس إبراهيم ابنه فكان يفد إليه لماما ويزوره من حين إلى حين، فلما شب إسماعيل وأطاق السعي والعمل، رأى إبراهيم في نومه أنه يؤمر بذبح ولده، ورؤيا الأنبياء تعد بمثابة الوحي المباشر، فارتحل إبراهيم حتى لقى ابنه، ولنلجأ إلى القرآن الكريم لنستكمل هذه الحادثة.
(قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال:
يا أبت، افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلما أسلما وتاء للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم، وتركنا عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم، كذلك نجزي المحسنين، إنه من عبادنا المؤمنين، وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين، وباركنا عليه وعلى إسحاق (2).