ويشرح الأستاذ محمد جاد المولى وزملاؤه هذه العقيدة بقولهم (1): قد كان إبراهيم مفعم القلب بالإيمان بربه، ممتلئا بالثقة واليقين بقدرة خالقه، مؤمنا بما أوحى إليه من بعث الناس بعد موتهم، وحسابهم في حياة أخرى على أعمالهم، ولكنه أراد أن يزداد بصيرة وإيمانا، وثقة ويقينا، وتطلع إلى أن يلمس البرهان البين على البعث، ويرى الحجة الواضحة على النشور، فسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى بعد موتهم، ويبعثهم بعد فناء أجسامهم، فقال الله له:
أولم تؤمن؟ قال: بلى، قد أوحيت إلي وآمنت وصدقت، ولكن تاقت نفسي إلى المشاهدة ليطمئن قلبي ويزداد يقيني. فاستجاب الله دعاءه وآتاه سؤله، وأمره أن يأخذ أربعة من الطير فيقطعها إربا ويفرق أشلاءها بأن يجعل على كل جبل منهن جزءا، ثم يدعوهن فيأتينه سعيا بإذن الله.
وفعل إبراهيم ذلك وعادت الأشلاء تتجمع، وسعت إليه الطيور الأربعة، وزاد يقين إبراهيم، وامتلأ قلبه اطمئنانا.
وتكررت عقيدة التوحيد والإيمان باليوم الآخر منسوبة إلى غير إبراهيم من أنبياء بني إسرائيل والصالحين منهم، قال تعالى على لسان يوسف: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون، واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحق ويعقوب، ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ، ذلك فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون، يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (2).