ومر الزمن ولم يبد اليهود قط أي لون من ألوان الولاء للبلاد التي عاشوا بهما، واشتركوا في مؤامرات ضدها كما ذكرنا من قبل، فتعرضوا لحركة اضطهاد عنيفة في أكثر البلاد التي نزلوا بها، وكان من أشدها قسوة المذبحة التي نزلت بهم في روسيا سنة 1882 (1)، وعلى إثرها بدأت حركة الصهيونية من جديد، وأدرك اليهود مرة أخرى أنه ليس ثمة عيش لهم إلا في أرض أسلافهم، أرض الميعاد، وكان باعث الحركة الصهيونية الجديدة يهوديا يدعى (سيمحا بينكر) الذي أخذ يدعو في روسيا لهذه الحركة، وقد تألفت على إثر دعوته جمعية سميت (جمعية عشاق صهيون)، ويقول وايزمان في مذكراته إن الحركة الصهيونية في حقيقتها وجوهرها نشأت في روسيا، وإن يهود روسيا كانوا العمود الفقري للكيان اليهودي في فلسطين منذ قيام الحركة (2). وأخذ اليهود يتسللون من روسيا، واتجه أكثرهم إلى الولايات المتحدة، وأراد بعضهم الاتجاه إلى فلسطين ولكن الحكومة التركية أصدرت قانونا يحرم على اليهود دخول فلسطين، وفي الوقت نفسه منعت حكومة القيصر بروسيا الدعوة للهجرة، وعلى الرغم من كل ذلك استطاع نفر قليل من الشبان أن يصلوا إلى فلسطين سنة 1882 حيث أنشأوا أولى المستعمرات الزراعية بالقرب من يافا، وأطلقوا عليها اسم (ريشون ليزبون) أي الأولون في صهيون، ويسميها بن جوريون (الهجرة الأولى) أما الهجرة الثانية فكانت نتيجة الثورة الروسية التي قامت سنة 1905، وقد تمكن القيصر من القضاء عليها، ويقول بن جوريون إن هذه الثورة لو نجحت لأدت إلى رفع الاضطهاد عن اليهود وبالتالي لاستقر يهود روسيا بها، ولكن فشلها دفع اليهود إلى ما يسميه
(١١٩)