وأنت يا محدثي تحدد المظلوم وتشفق عليه، مع أنك لا تعرف المظلوم حقيقة ولا تعرف من قصته إلا ما تراه، ألا يمكن أن يكون من تراه مظلوما هو في الحقيقة ظالم، ولكنه يتظاهر بأنه مظلوم ليخدعك بدمعه أو صراخه؟
ألا يمكن أن يكون ما يقع عليه من ظلم تراه، هو في الحقيقة انتقام لظلم أوقعه هذا الباكي بسواه من قبل وأنت لا تعرف؟ اقرأ معي هذه الآيات:
- ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض (1).
- ولكن الله يسلط رسله على من يشاء (2).
- وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون (3).
وتحضرني قصة عربية ليست بعيدة عما خطر لك يا محدثي الفاضل أسردها لك لترى تدبيرك وتدبير الآخرين: تروي كتب الأدب أنه - في نقائض جرير والفرزدق - هتف جرير يهدد صاحبه:
ذاك ابن عمي في دمشق خليقه * لو شئت ساقكم إلى قطينا وكان الخليفة ابن عم جرير حقيقة، فماذا فعل الخليفة؟ هل انتصر للشاعر ابن العم؟ هل خذله؟ الجواب أن الخليفة قال لابن عمه الشاعر: إنك ما زدت عن أن جعلتني شرطيا، ولو قلت: لو شاء ساقكم إلى قطينا، لسقتهم إليك.
هذا هو الخليفة الأموي لم يرض أن يكون شرطيا لابن عمه الشاعر، فهل تريد الله في جلاله وجبروته أن يكون شرطيا لمن تراه أو لمن يرى نفسه مظلوما؟ وتريد الله أن يسرع للظالم ويمسك بتلابيبه؟ الإجابة مرة أخرى إنك مادي، ومعرفة الله تحتاج إلى جانب روحي لأن الله ليس بمادة.
ومحدث ثالث صرخ في وجهي ينكر الله ويقول: لو كان هناك إله ما خلق طفلا أعمى أو أخرس أو مشوه الخلقة، لأن هذا الطفل لا ذنب له فيما وقع به من سوء.