تريده مادة وهيهات أن يكون الله مادة، ثم يا محدثي الأجل كيف تريده أن يظهر؟ أتريده انسانا ضخم الجثة، مهيب الوجه، يأمر الريح فتهدأ، والميت فيحيا، والبحر فيجف؟ هل يكفيك هذا لتؤمن به؟ ولكن هل نسيت يا محدثي أن عيسى أحيى الموتى وشفا المجذوم، وأن البحر جف لما ضربه موسى بالعصا، ومع هذا فقد ضل أتباع هذا وذاك؟ فأهمل أتباع موسى إلهه الذي كان يدعو إليه وراحوا يعبدون عجل السامري، وحكم قوم عيسى عليه بالقتل صلبا، وعملوا على تنفيذ حكمهم فيه؟
وإذا جاءك الله بجلاله ودخل بيتك وأقام لك المعجزات لتؤمن به، فهل تريده أن يطوف بكل الدور في الدنيا الواسعة وأن يقف بكل منها وقفة يثبت ألوهيته ويقيم عليها الأدلة والبراهين؟ وما رأيك في أنه عندما ينتقل من قرية إلى قرية سيدع في القرية التي خلفها ألوانا من الشكوك والريب، وسيقول قوم: إنه ساحر، وسيقول آخرون: إنه مفتر أثيم؟
لا يا محدثي، المسألة أنك مادي، عميق الجذور في المادية، والطريق الوحيد لتدرك الله أن تقوي جانبك الروحي والفكري.
وقال لي محدث آخر: إذا كان الله موجودا وخالقا للخلق وعادلا فلماذا لا ينصر المظلوم؟.
قلت له: إن انتصار الله للمظلوم دليل نتخذه لوجود الله، ونعتقد أن الظالم لا بد أن يثأر منه، وأنه ليس هناك حجاب بين الله وبين دعوة المظلوم، ولكنك يا صديقي مادي أيضا تتصور الله شرطيا يهتف به المظلوم فيسعى له الله في الحال وينزل بظالمه العقاب، والله يا سيدي ليس شرطيا، إنه يدبر الأمور بعمق أكثر مما تتصور، وينزل العقاب حينما وكيفما يرى ذلك.
وقد يكون من الحكمة أن يمهل الله الظالم فترة، حتى إذا تجمعت ألوان الظلم التي يوقعها بالآخرين أنزل الله به سخطه وعقابه. قال تعالى: " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما " (1).