هذه ناحية، وناحية أخرى نريد أن نتحدث عنها وهي أن نسأل: لماذا لا ينفى من إحدى العبادات أو منها كلها من تجمعت فيه الاتجاهات التي تعمل هذه العبادات لتحقيقها؟ بمعنى أنه إذا كان الهدف من الصوم مثلا أن يحس الصائم بجوع الفقير، أو أن يتعود الجوع استعدادا لما قد ينزل به من مشقات طارئة أو دائمة، فلماذا لا يعفى الفقير نفسه من الصوم؟ ولماذا لا يعفى منه كريم اليد السخي بالعطاء؟ وقل مثل هذا في باقي العبادات.
وللإجابة على هذا نوضح أن الفلسفات التي سبق أن أوردناها إنما هي ألوان من الاجتهاد الإنساني على مر العصور للبحث عن أسباب هذه العبادات، وليس بعيد أبدا أن تكون هناك أسباب لم نعرفها بعد، أو تكون عقولنا قاصرة عن إدراك أسباب حقيقية ستظل مطوية عنا.
ثم كيف جاز لنا أن نفكر في أن نعفى من الوضوء الرجل النظيف، وأن نعفى من الصوم الرجل الكريم؟ مع أن النظيف اليوم قد يهمل النظافة غدا، والكريم اليوم قد يبخل فيما بعد، فكثيرون من الناس أهملوا مظهرهم بعد أن كانت عنايتهم بالمظهر على أشدها، وكثيرون منهم شحوا بعد كرم وجود.
على أن وحدة التشريع هامة جدا في التفكير الإسلامي، ومعنى هذا أن العمل الجماعي مقصود، فالدين دين الناس جميعا، والتشريع جاء للمسلمين جميعا، ولا يمكن أن يهمل الجانب الجماعي في التكاليف، ذلك الجانب الذي يرمى إلى خلق وحدة بين المسلمين، فصومهم معا وصلاتهم معا.... لها مغزى سام (1) ولو طفت العالم الإسلامي في رمضان ورأيت صوما هنا وصوما هناك لأدركت سمو الهدف الذي قصد إليه الإسلام.