ما يدل على عدم إخلاصه، وربما كان يعلم ما سينتهي إليه مصيره بعد ذلك. خاصة إذا كان يصدق ما يروى بأن المنصور كان السبب في موت أبيه. على أن مثل هذه المخاوف كما يظهر لم تؤثر في حياته البيتية تأثيرا كبيرا، فقد كان له من الولد ثمانية عشر ذكرا وثلاث وعشرون بنتا. ولم تكن له زوجة شرعية حسب ما جاء في كتاب جنات الخلود (الباب 14) الذي يذكر بكل صراحة أن أولاده جميعهم من جوار لا تعرف أسماؤهن إلا أن ذلك لا يؤثر في كرم المحتد، فإنما العبرة بالأب.
ويذكر اليعقوبي دون أن يبدي سببا أن موسى بن جعفر أوصى أن لا تتزوج بناته، فلم تتزوج واحدة منهن إلا أم سلمة فإنها تزوجت بمصر.
ولقب بالكاظم لكظمه الغيظ، وكان يدعى العبد الصالح. ولنتصور كم كان اهتمامه بالعبادة أكثر من اهتمامه بالسياسة، وهي صفة اختص بها جميع الأئمة بعد الحسين. نسمع بأنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد سجدة في أول الليل وسمع وهو يقول في سجوده: عظم الذنب عندي، فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. وجعل يرددها حتى أصبح.
أما عن سخائه وكرمه فيذكر لنا ابن خلكان أيضا: أنه كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار وأربعمائة دينار ومائتي دينار ثم يقسمها بالمدينة. وربما كان هذا السخاء والكرم مما جعل المهدي يرتاب به، فأقدمه إلى بغداد وحبسه.
ويروي ابن خلكان أن هذا الخليفة رأى في النوم علي بن أبي طالب (رض) وهو يقول: يا محمد (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).
قال الربيع بن يونس، وهو من المقربين للمنصور فأرسل إلي ليلا، فراعني ذلك. فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية، وكان أحسن الناس صوتا، وقال: علي بموسى بن جعفر.
فجئته به. فعانقه وأجلسه إلى جنبه وقال: يا أبا الحسن، إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض) في النوم يقرأ علي كذا، فتؤمنني ألا تخرج علي أو على أحد من