وإذا لم يعرف التاريخ إماما في السنن من درجته أو إماما في الفقه من مرتبته فالتاريخ كذلك لا يعرف إماما اجتمعت له الإمامتان مثله.
4 - أنه الإمام الذي يوثقه أئمة المسلمين جميعا. ويستوي في ذلك من أهل السنة أئمة الرأي فهم تلاميذه، وأئمة الحديث فهو في القمة منهم. وروايته للحديث يوثقها واضع الأساس العلمي لقبول الحديث الشافعي، وعلماء الجرح والتعديل كيحيى بن معين وأبي حاتم والذهبي وابن حنبل والآخرين. وتتردد في كتب الصحاح أحاديثه كما يبايعه إمام أهل البيت الذي سبق بفرقة عظيمة وفقه خالد عمه زيد بن علي زين العابدين صاحب المذهب الزيدي. ويضعه موضع الإمامة فيقول: في كل زمان رجل من أهل البيت يحتج به الله على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر لا يضل من كان من شيعته ولا يهتدي من خالفه.
5 - أن هذا الإمام هو أول وآخر واحد من صلب آبائه وأجداده من الله على بهذه الفرصة، أواخر الدولة المروانية المشغولة عنه بتثبيت دعائهما المهتزة، وأوائل عهد الدولة العباسية، التي تمد إليه بسبب من السلام أو الخصام، وآصرة من النسب، تخدمانه أو تخدمانها - وهي ترفع شعار أهل البيت والدفاع عن الدين - وبهذا أتيحت له حرية الجلوس لكل الناس، والتدريس لكل العلوم، وأن تسيل الأباطح بأعناق المطي إليه من بقاع العالم، في حقبة ممتازة من التاريخ العالمي والاسلامي.
6 - أنه الإمام الذي طمأن الخلفاء (الملوك) في الدولتين، وكانوا سفاحين غلاظ الأكباد، فهو كما يقول الشهرستاني وأبو نعيم في الملل والنحل وحلية الأولياء: ما تعرض للإمامة قط ولا نازع في الخلافة أحدا. ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط.
7 - أنه الإمام الذي أتيح له على مدار ثلث قرن من الزمان بعد موت أبيه سنة 114 أن يكون الإمام. فامتد به عصر سلام، ضروري لنشر العلم، باطمئنان طالبه وواهبه، والدولة التي ينتشر في رعاياها.