وإن عجز عن ذلك قد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون شأنكم وذاك متى أردتم، فخرجوا من عنده وأجمع رأيهم على يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاة على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب عنها فاجتمعوا في اليوم الموعود وحضر معهم يحيى بن أكثم وجلس المأمون وأبو جعفر في مكانهما فسأل يحيى أبا جعفر رضي الله عنه مسائل وأجابه أبو جعفر بأحسن جواب.
فقال المأمون يا أبا جعفر إن أردت أن تسأل يحيى ولو مسألة واحدة، فقال:
أبو جعفر رضي الله عنه ليحيى أسألك؟ قال ذلك إليك جعلت فداك فإن عرفت جواب ما سألتني وإلا استفدته منك.
فقال أبو جعفر رضي الله عنه ما تقول في رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت العشاء حلت له، فلما كان نصف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلت له ما حال هذه المرأة وبماذا حلت وحرمت عليه؟ قال يحيى بن أكثم والله لا أهتدي إلى جواب هذه المسألة ولا أعرف الوجه فيه فإن رأيت أن تفيدنا فقال له أبو جعفر رضي الله عنه: هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له، فلما كان الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلما كان العصر تزوجها فحلت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان وقت الفجر راجعها فحلت له فلما فرغ أبو جعفر رضي الله عنه من كلامه أقبل المأمون على العباسيين وقال قد عرفتم ما تنكرون ثم زوجه في ذلك المجلس ابنته أم الفضل.
ومنهم العلامة ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) (ص 249 ط الغري)