وأما الفكرة الثانية (فكرة ائتلاف الأجسام من ذرات صغيرة) فكانت موضوع صراع بين نظريتين: النظرية الانفصالية، والنظرية الاتصالية. فالنظرية الانفصالية هي النظرية الذرية للفيلسوف الإغريقي (ديمقريطس)، القائلة ان الجسم مركب من أجزاء صغيرة، يتخلل بينها فراغ، وأطلق على تلك الاجزاء اسم الذرة، أو الجزء الذي لا يتجزأ. والنظرية الاتصالية هي النظرية الغالبة، التي أخذ بها أرسطو ورجال مدرسته. والجسم في زعم هذه النظرية، ليس محتويا على ذرات، ومركبا من وحدات صغيرة، بل هو شيء واحد متماسك يمكننا أن نقسمه فنخلق منه أجزاء منفصلة بالتقسيم، لا انه يشتمل سلفا على أجزاء كهذه.
وقد جاء بعد ذلك دور الفيزياء الحديثة، فدرست الفكرتين درسا علميا، على ضوء اكتشافاتها في عالم الذرة. فأقرت الفكرتين بصورة أساسية، فكرة العناصر البسيطة، وفكرة الذرات، وكشفت في مجال كل منهما عن حقائق جديدة، لم يكن من الممكن التوصل إليها سابقا.
ففيما يخص الفكرة الأولى، استكشفت الفيزياء ما يقارب مائة من العناصر البسيطة، التي تتكون منها المادة الأساسية للكون والطبيعة. بصورة عامة. فالعالم وان بدا لأول نظرة، مجموعة هائلة من الحقائق والأنواع المختلفة، ولكن هذا الحشد الهائل المتنوع، يرجع في التحليل العلمي إلى تلك العناصر المحدودة.
والأجسام - بناء على هذا - قسمان أحدهما جسم بسيط، وهو الذي يتكون من أحد تلك العناصر، كالذهب، والنحاس، والحديد، والرصاص، والزئبق. والآخر هو الجسم المركب من عنصرين، أو عدة عناصر بسيطة، كالماء المركب من ذرة اوكسجين وذرتين من الهيدروجين، أو الخشب المركب في الغالب من الأوكسجين والكربون والهيدروجين.
وفيما يخص الفكرة الثانية، برهنت الفيزياء الحديثة علميا، على النظرية الانفصالية، وان العناصر البسيطة مؤلفة من ذرات صغيرة ودقيقة إلى حد ان المليمتر الواحد من المادة، يحتوي على ملايين من تلك الذرات. والذرة عبارة