فالمسألة اذن هي مسألة التطوير السياسي المقترح، الذي لا بد ان يجد منطقا مبررا له، وفلسفة يرتكز على قوائمها، ولذلك كانت الماركسية تضع القانون، الذي يتفق مع مخططاتها السياسية، ثم تفتش في الميادين العلمية عن دليله، مؤمنة سلفا - وقبل كل دليل - بضرورة تبني ذلك القانون، ما دام يلقي شيئا من الضوء على طريق العمل والكفاح. ويحسن بنا ان نستمع بهذه المناسبة لا نجلز، وهو يحدث عن بحوثه التي قام بها في كتابه ضد دوهرنك:
((وغني عن البيان، بأنني كنت قد عمدت إلى سرد المواضيع، في الرياضيات والعلوم الطبيعية. (سردا عاجلا) وملخصا، بغية أن أطمئن تفصيلا - إلى ما لم أكن في شك منه بصورة عامة - إلى أن نفس القوانين الديالكتيكية للحركة، التي تسيطر على العفوية الظاهرة للحوادث في التاريخ، تشق طريقها في الطبيعة)) (1).
ففي هذا النصر، تلخص الماركسية لنا أسلوبها، في محاولاتها الفلسفية، وكيف وثقت كل الوثوق، باستكشاف قوانين العالم، وآمنت بصحتها، قبل ان تتبين مدى واقعيتها، في المجالات العلمية والرياضية، ثم حرصت بعد ذلك على أن تطبقها على تلك المجالات، وتخضع الطبيعة للديالكتيك في ((سرد عاجل)) - على حد تعبير أنجلز - مهما كلفها الأمر، ولو أثار ذلك احتجاج علماء الرياضيات أو الطبيعيات أنفسهم، كما يعترف بذلك أنجلز في عبارة قريبة من النص الذي نقلناه.
ولما كان الغرض الأساسي من انشاء هذا المنطق الجديد، ايجاد سلاح فكري للماركسية في معركتها السياسية، فمن الطبيعي اذن ان تبدأ - أولا وقبل كل شيء - بتطبيق القانون الديالكتيكي، على الحقل السياسي والاجتماعي. فقد فسرت المجتمع بكل أجزائه، طبقا لقانون الحركة التناقضية، أو التناقض الحركي وأخضعته للديالكتيك، الذي هو في زعمها قانون الفكر والعالم