(900) الف ميل تقريبا، أقول إذا كملت هذه المعلومات لدى الانسان، يخيل لأولئك الماديين أن المسألة الإلهية لم يبق لها موضوع، وان الأصابع الغيبية التي تحجب الشمس أو القمر عنا، عوض عنها العلم بالتعليلات الطبيعية. وليس هذا الا لسوء فهم للمسألة الإلهية، وعدم تمييز لموضع السبب الإلهي من سلسلة الأسباب.
الثالث: ان الطابع الروحي غلب على المثالية والإلهية معا، حتى أخذ يبدو أن الروحية في المفهوم الإلهي هي بمعناه في المفهوم المثالي، ونشأت عن ذلك عدة اشتباهات، ذلك ان الروحية قد تعتبر وصفا لكل من المفهومين. ولكننا لا نجيز مطلقا ان يهمل التمييز بين الروحيتين، بل يجب ان نعرف أن الروحية في العرف المثالي، يقصد بها المجال المقابل للمجال المادي المحسوس، أي مجال الشعور والادراك والانا. فالمفهوم المثالي روحي على أساس أنه يفسر كل كائن وكل موجود في نطاق هذا المجال، ويرجع كل حقيقة وكل واقع اليه. فالمجال المادي مرده في الزعم المثالي إلى مجال ورحي، وأما الروحية في المفهوم الإلهي أو العقيدة الإلهية، فهي طريقة للنظر إلى الواقع بصورة عامة، لا مجالا خاصا مقابلا للمجال المادي. فالالهية التي تؤمن بالسبب المجرد الأعمق، تعتقد بصلة كل ما هو موجود في المجال العام - سواء أكان روحيا أم ماديا - بذلك السبب الأعمق، وترى ان هذه الصلة هي التي يجب ان يحدد على ضوئها، الموقف العملي والاجتماعي للانسان، تجاه الأشياء جميعا. فالروحية في العرف الإلهي أسلوب في فهم الواقع، ينطبق على المجال المادي والمجال الروحي - بمعناه المثالي - على السواء.
ويتلخص من العرض السابق ان المفاهيم الفلسفية عن العالم ثلاثة.
وقد درسنا في نظرية المعرفة المفهوم المثالي باعتباره مرتبطا بها كل الارتباط، واستعرضنا أخطاءه، فلنتناول في هذه المسألة دراسة المفهومين الآخرين: المادي والإلهي.
وفي المفهوم المادي اتجاهان: الاتجاه الآلي أو الميكانيكي، والاتجاه الديالكتيكي والتناقض، أو المادية الديناميكية.