الحيوان - مثلا - فهو لا يمكن أن يكون سببا للحرارة لان هناك من الحيوانات ما دماؤها باردة، فلو كان هو السبب للحرارة لما أمكن أن تنفصل عنه ويكون باردا في بعض الحيوانات. ومن الواضح أن استبعاد دم الحيوان عن السببية لم يكن الا تطبيقا للمبدأ الآنف الذكر الحاكم بأن الشيء لا ينفصل عن سببه، وهكذا يدرس كل شيء مما كان يظنه من أسباب الحرارة فيبرهن على عدم كونه سببا بحكم مبدأ عقلي ضروري. فان أمكنه ان يستوعب بتجاربه العلمية جميع ما يحتمل ان يكون سببا للحرارة، ويدلل على عدم كونه سببا - كما فعل في دم الحيوان، فسوف يصل في نهاية التحليل العلمي إلى السبب الحقيقي - حتما - بعد اسقاط الأشياء الأخرى من الحساب، وتصبح النتيجة العلمية حينئذ حقيقة قاطعة، لارتكازها بصورة كاملة على المبادئ العقلية الضرورية، وأما إذا بقي في نهاية الحساب شيئان أو أكثر ولم يستطع ان يعين السبب على ضوء المبادئ الضرورية، فسوف تكون النظرية العلمية في هذا المجال ظنية، وعلى هذا نعرف:
أولا: ان المبادئ العقلية الضرورية هي الأساس العام لجميع الحقائق العلمية، كما سبق في الجزء الأول من المسألة.
ثانيا: ان قيمة النظريات والنتائج العلمية في المجالات التجريبية.
موقوفة على مدى دقتها في تطبيق تلك المبادئ الضرورية على مجموعة التجارب التي أمكن الحصول عليها. ولذا فلا يمكن اعطاء نظرية علمية بشكل قاطع الا إذا استوعبت التجربة كل امكانيات المسألة، وبلغت إلى درجة من السعة والدقة بحيث أمكن تطبيق المبادئ الضرورية عليها.
وإقامة استنتاج علمي موحد على أساس ذلك التطبيق.
ثالثا: في المجالات غير التجريبية - كما في مسائل الميتافيزيقا - ترتكز النظرية الفلسفية على تطبيق المبادئ الضرورية على تلك المجالات، ولكن هذا التطبيق قد يتم فيها بصورة مستقلة عن التجربة. ففي مسألة اثبات العلة الأولى للعالم - مثلا - يجب على العقل ان يقوم بمحاولة تطبيق مبادئه الضرورية على