هذه المسألة، حتى يضع بموجبها نظريته الايجابية أو السلبية، وما دامت المسألة ليست تجريبية فالتطبيق يحصل بعملية تفكير واستنباط عقلي بحت بصورة مستقلة عن التجربة.
وبهذا تختلف مسائل الميتافيزيقا عن العلم الطبيعي في كثير من مجالاتها. ونقول (في كثير من مجالاتها) لأن استنتاج النظرية الفلسفية أو الميتافيزيقية من المبادئ الضرورية في بعض الأحايين يتوقف على التجربة أيضا، فيكون للنظرية الفلسفية حينئذ نفس ما للنظريات العلمية من قيمة ودرجة.
الخط الثالث: عرفنا ان المعرفة التصديقية هي التي تكشف لنا عن موضوعية التصور، ووجود واقع موضوعي للصورة التي توجد في ذهننا. وعرفنا أيضا أن هذه المعرفة التصديقية مضمونة بمقدار ارتكازها على المبادئ الضرورية. والمسألة الجديدة هي مدى التطابق بين الصورة الذهنية - فيما إذا كانت دقيقة وصحيحة - والواقع الموضوعي الذي صدقنا بوجوده من ورائها.
والجواب على هذه المسألة: هو أن الصورة الذهنية التي نكونها عن واقع موضوعي معين فيها ناحيتان: فهي من ناحية صورة الشيء ووجوده الخاص في ذهننا. ولا بد لأجل ذلك ان يكون فيها الشيء متمثلا فيها، والا لم تكن صورة له. ولكنها من ناحية أخرى تختلف عن الواقع الموضوعي اختلافا أساسيا. لأنها لا تملك الخصائص التي يتمتع بها الواقع الموضوعي لذلك الشيء، ولا تتوفر فيها ما يوجد في ذلك الواقع من ألوان الفعالية والنشاط. فالصورة الذهنية التي نكونها عن المادة أو الشمس أو الحرارة مهما كانت دقيقة ومفصلة لا يمكن ان تقوم بنفس الأدوار الفعالة التي يقوم بها الواقع الموضوعي لتلك الصور الذهنية في الخارج.
وبذلك نستطيع ان نحدد الناحية الموضوعية للفكرة، والناحية الذاتية. أي الناحية المأخوذة عن الواقع الموضوعي، والناحية التي ترجع إلى التبلور الذهني الخاص. فالفكرة موضوعية باعتبار تمثل الشيء فيها لدى الذهن، ولكن الشيء الذي يمثل لدى الذهن في تلك الصورة يفقد كل فعالية ونشاط مما كان يتمتع به في المجال الخارجي، بسبب التصرف الذاتي، وهذا الفارق