وإنما تصح الحجة لكم بتأكيدكم النبوة لنبيكم وأخذكم بسنن الأنبياء في هديهم وقد تغلبتم فلا بد لنا أن نحتج عليكم فيما ادعيتم حتى نعرف سبيل ما تدعون إليه ونعرف الحق فيكم بعد نبيكم، أصواب ما فعلتم بإيمان أو جهل أم كفرتم؟! ثم قال: يا شيخ! أجب.
قال: فالتفت أبو بكر إلى أبي عبيدة ليجيب عنه، فلم يحر جوابا، ثم التفت الجاثليق إلى أصحابه فقال: بناء القوم على غير أساس ولا أرى حجة لهم، أفهمتم؟ قالوا: بلى، قال لأبي بكر: يا شيخ! أسئلك؟ قال: سل، قال:
أخبرني عني وعنك، ما أنت عند الله وما أنا عند الله؟ قال: أما أنا فعند نفسي مؤمن وما أدري ما أنا عند الله فيما بعد، وأما أنت فعندي كافر ولا أدري ما أنت عند الله، قال الجاثليق: أما أنت فقد منيت نفسك بالكفر بعد الإيمان وجهلت مقامك في إيمانك أمحق أنت فيه أم مبطل، وأما أنا فقد منيتني الإيمان بعد الكفر، فما أحسن حالي وما أسوء حالك عند نفسك إذ كنت لا توقن بما لك عند الله، فقد شهدت لي بالفوز والنجاة وشهدت لنفسك بالهلاك والكفر، ثم التفت إلى أصحابه فقال: طيبوا نفسا (1) فقد شهد لكم بالنجاة بعد الكفر، ثم التفت إلى أبي بكر فقال: يا شيخ! أين مكانك الساعة من الجنة إذا أدعيت الإيمان وأين مكاني من النار؟ قال: فالتفت أبو بكر إلى عمر وأبي عبيدة مرة أخرى ليجيبا عنه فلم ينطق أحدهما، قال: ثم أنه قال:
ما أدري أين مكاني وما حالي عند الله، قال الجاثليق: يا هذا؟ أخبرني كيف استجزت لنفسك أن تجلس هذا المكان وأنت محتاج إلى علم غيرك، فهل في أمة نبيكم محمد من هو أعلم منك؟ قال: نعم، قال: ما أعلمك وإياهم إلا وقد حملوك أمرا عظيما وسفهوا بتقديمهم إياك على من هو أعلم منك، فإن كان الذي هو أعلم منك يعجز عما سئلتك كعجزك، فأنت وهو واحد في دعواكم، فأرى نبيكم إن كان نبيا فقد ضيع علم الله تعالى وعهده وميثاقه الذي أخذه على النبيين من قبله فيكم في إقامة الأوصياء لأمتهم حيث لم يقم