شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ٣٣٢
ضرورة فإن قيل فشاد الزنار ولابس الغيار بالاختيار لا يكون كافرا) إذا كان مصدقا له في الكل وهو باطل إجماعا (قلنا جعلنا الشئ) الصادر عنه باختياره (علامة للتكذيب فحكمنا عليه بذلك) أي بكونه كافرا غير مصدق ولو علم أنه شد الزنار لا لتعظيم دين النصارى واعتقاد حقيته لم يحكم بكفره فيما بينه وبين الله كما مر في سجود الشمس لا يقال أطفال المؤمنين لا تصديق لهم فيلزم أن يكون كفارا لا مؤمنين وهو باطل لأنا نقول هم مصدقون حكما لما علم من الدين ضرورة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل إيمان أحد الأبوين إيمانا للأولاد (وهو) أي الكفر (عند كل طائفة مقابل ما فسره به الإيمان) كما هو عندنا مقابل لما فسرناه به فمن قال الإيمان معرفة الله قال الكفر هو الجهل بالله وبطلانه ظاهر ومن قال الإيمان هو الطاعات كالخوارج وبعض المعتزلة قال الكفر هو المعصية لكنهم اختلفوا (فقالت الخوارج كل معصية كفر وقد أبطلناه وقالت المعتزلة المعاصي) أقسام (ثلاثة إذ منها ما يدل على الجهل بالله ووحدته وما يجوز عليه وما لا يجوز و) الجهل (برسالة رسوله كإلقاء المصحف في القاذورات والتلفظ بكلمات دالة على ذلك) وكسب الرسول والاستخفاف به (فهو كفر ومنها ما لا يدل على ذلك وهو قسمان قسم يخرج) مرتكبه (إلى منزلة بين المنزلتين) أي الكفر والإيمان على معنى أنه (لا يحكم على صاحبها بالكفر لسائر) ما اتصف
____________________
مستبعد كما لا يخفى (قوله وهو عندنا عدم تصديق الرسول عليه السلام) سواء كان مكذبا له عليه السلام أو شاكا في صدقه وأما ما ذكره في تفسير القاضي من أن الكفر إنكار ما علم بالضرورة مجئ الرسول عليه السلام به فلعل مراده بالانكار عدم التصديق ليعم الشك (قوله لأنا نقول هم مصدقون حكما الخ) وبهذا أيضا يندفع ما يتوهم من أنه يلزم أن لا يكون النائم مؤمنا إذ لا تصديق له لأن النوم مضاد للعلم عندنا ووجه الاندفاع إن الشارع جعل التصديق المحقق في حكم الباقي ما لم يطرأ عليه ما يضاده فهو مصدق حكما وقد يجاب بأن التصديق أوليس بإدراك بل هو كلام نفسي على ما وقع في كلام بعضهم ولا نسلم المنافاة بينه وبين النوم ولا يخفى ما فيه (قوله وهو عند كل طائفة يقابل ما فسر به الإيمان) رده في شرح المقاصد بأنه لا يستقيم على القول بالمنزلة بين المنزلتين أصلا ويمكن دفعه بأن التقابل لا يلزم أن يكون بالإيجاب والسلب حتى يرد ما ذكره فتأمل (قوله وبطلانه ظاهر) لاستلزامه أن يكون النصارى مؤمنين (قوله فقالت الخوارج كل معصية كفر) فإن قلت يلزم السلف وأصحاب الأثر القائلين بأن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان أن يقولوا بما قال به الخوارج بناء على أن الشئ ينتفي بانتفاء ركنه ولا منزلة عندهم بين الكفر والإيمان مع أنهم لا يجعلون تارك العمل خارجا من الإيمان ويقطعون بعدم خلوده في النار قلت أجيب عنه بأن الإيمان يطلق على ما هو الأساس والأصل في دخول الجنة وهو التصديق وحده وعلى ما هو الكامل المنجي وهو الذي عد العمل ركنا منه وموضع الخلاف أن مطلق الاسم
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»
الفهرست