لكل صناعة مراتب) في الكمال بعضها فوق بعض (وليس لها حد معين) تقف عنده ولا تتجاوزه (ولا بد في كل زمان من فائق) قد فاق (أبناؤها) بأن وصل إلى مرتبة من تلك المراتب لم يصل إليها غيره في عصره وإن أمكن أن يفوقه شخص آخر في عصر آخر (فلعل محمدا كان أفصح أهل عصره (فأتى بكلام عجز عن مثله أهل زمانه) ولو كان ذلك معجزا لكان) ما أتى به (كل من فاق أقرانه في صناعة) من الصناعات في عصر من الأعصار (معجزا وهو ضروري
البطلان وأما مذهب القاضي فلأن ضم غير المعجز إلى مثله لا يصيره معجزا وأما الإخبار بالغيب فلوجوه * الأول إنه جائز كرامة للولي) وعلى سبيل الاتفاق أيضا بلا خرق عادة كما في المرة والمرتين (إلا أن يتكرر) ذلك الإخبار (إلى أن يصير) خارقا للعادة فيصير حينئذ (معجزا ومراتبه) أي مراتب التكرر إلى حد الاعجاز (غير مضبوطة) بعدد معين (فكيف يعلم بلوغ
القرآن) في الإخبار بالغيب (مرتبة الاعجاز الثاني إنه يقع) ذلك الإخبار مكررا (من المنجمين والكهنة) كما دل عليه التسامع والتجربة (وليس بمعجز اتفاقا الثالث إنه يلزم حينئذ أن لا يكون ما خلا عنه) أي عن الإخبار بالغيب (من
القرآن معجزا) فيخرج أكثر
القرآن عن صفة الاعجاز وهو باطل (وأما عدم الاختلاف والتناقض فيه مع طوله فلوجوه الأول) إن فيه تناقضا لأنه (قال وما علمناه الشعر وفي
القرآن ما هو شعر نحو قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) فإنه بدون لفظ مخرجا من بحر المتقارب على وزن فعولن فعولن فعولن فعل ومنه قوله وأملي لهم إن كيدي متين (و) نحو (قوله ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين) فإنه إذا أشبع كسرة الميم في ويخزهم وفتحة النون في مؤمنين كان موزنا بلا شبهة (سيما) أي وفي
القرآن ما هو شعر لا سيما (إذا تصرف فيه بأدنى تغيير فإنه يوجد فيه شئ كثير) على أوزان بحور الأشعار (الثاني إن فيه كذبا إذ قال ما فرطنا في الكتاب من شئ) وقال (ولا رطب
____________________
مدفوع بأن إعجاز القرآن نظري لا يتبين إلا للخاصة فلهذا استشهد بالبينة مع ما فيه من رعاية الشرع (قوله وليس لها حد معين الخ) فسر الكلام بما يخالف عبارة الكتاب لأنه الأشبه بالحق والموافق لكلام الآمدي في الأبكار حيث قال التفاوت بين الناس واقع وليس له حد يقف عنده إذ ما من فصيح إلا ولعل غيره أفصح منه ولا يمتنع أن ينتهي البلاغة في كل عصر إلى فصيح لا أفصح منه ثم قول الشارح ولا تتجاوزه معناه ولا يمكن أن تتجاوزه فلا ينافي قول المصنف فيما سبق والحق إن الموجود منها متناه دون الممكن وإذا حمل الحد في كلام المصنف على ما لا تتجاوزه الصناعة بالفعل لم يكن أيضا مخالفا لكلامه السابق فليتأمل (قوله سيما إذا تصرف فيه بأدنى تغيير) المناسب لهذا