ولا يشكل أدنى خطر على مركز الخلافة العباسية وأجهزتها، وأول بوادر ذلك هو أن عهد المعتصم إلى عمر بن الفرج أن يشخص إلى يثرب ليختار معلما لأبي الحسن الهادي (عليه السلام) على أن يكون المعلم معروفا بالنصب والانحراف عن أهل البيت (عليهم السلام) ليغذيه ببغضهم، فاختار أبا عبد الله الجنيدي وهو رجل أديب عالم ومعروف بالبغض والعداوة لأهل البيت (عليهم السلام)، وأوكل إليه مهمة تأديب الإمام (عليه السلام) على ما زعم، فحبسه عن شيعته ومواليه، ومنعهم من زيارته واللقاء به، ووضع عليه العيون.
وقام الجنيدي بتعليم الإمام إلا أنه قد ذهل لما رآه من حدة ذكائه وغزارة علمه، واعترف بأنه أعلم منه، وأنه يتعلم من الإمام (عليه السلام) ضروبا من العلم، وأنه خير أهل الأرض، وأفضل من برأه الله تعالى، وأنه يحفظ القرآن من أوله إلى آخره ويعلم تأويله وتنزيله، وأخيرا نزع الجنيدي نفسه عن النصب والعداء لأهل البيت (عليهم السلام) ودان بالولاء لهم واعتقد بالإمامة واهتدى إلى سواء السبيل ببركة الإمام (عليه السلام) (1).
قال الشاعر:
حار فيه فكر الجنيدي مذ * شاهد فيه ما حير الأفكارا جاء يملي له العلوم صغيرا * فإذا بالصغار تهدي الكبارا (2) وهكذا انتهت هذه المحاولة بالفشل دون أن تستطيع أجهزة السلطة إلحاق