التسديد إلى حين نفوذ مشيئتك فيمن أسعدته وأشقيته من بريتك. وامنن على بالتسليم لمحتومات أقضيتك، والتجرع لصادرات أقدارك، وهب لي محبة لما أحببت في متقدم ومتأخر، ومتعجل ومتأجل، والإيثار لما اخترت في مستقرب ومستبعد، ولا تخلنا مع ذلك من عواطف رحمتك وحسن كلاءتك " (1).
لا أكاد أعرف وثيقة سياسية حفلت بتحديد الأوضاع الراهنة في البلاد في ذلك العصر، كهذا الدعاء الذي تحدث فيه الإمام عن الأزمات السياسية التي عاناها المسلمون أيام الحكم الأموي المعاصر له خصوصا عهد الطاغية عبد الملك بن مروان الذي جهد على إذلال المسلمين، وإرغامهم على ما يكرهون، وقد سلط عليهم الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي الذي عاث في دينهم ودنياهم، وسعى في الأرض فسادا، فلم يترك لونا من ألوان الظلم إلا صبه على المسلمين حتى طاشت الأحلام، وبلغت القلوب الحناجر، وأودى الصبر، وانقطعت حبائله، والإمام يطلب من الله أن ينقذ المسلمين من محنتهم، وينزل عقابه الصارم بالمردة الظالمين.
وكان (عليه السلام) يدعو بهذا الدعاء في قنوته: " بمنك وكرمك يا من يعلم هواجس السرائر ومكامن الضمائر، وحقائق الخواطر، يا من هو لكل غيب حاضر، ولكل منسي ذاكر، وعلى كل شئ قادر، وإلى الكل ناظر، بعد المهل وقرب الأجل، وضعف العمل، وأراب الأمل. وأنت يا الله الآخر كما أنت الأول مبيد ما أنشأت، ومصيرهم إلى البلى، وتقلدهم أعمالهم، ومحملها ظهورهم إلى وقت نشورهم من بعثة قبورهم عند نفخة الصور، وانشقاق السماء بالنور، والخروج بالمنشر إلى ساحة المحشر، لا ترتد إليهم أبصارهم وأفئدتهم هواء، متراطمين في غمة مما أسلفوا، ومطالبين بما احتقبوا، ومحاسبين هناك على ما