ومن دعائه وسجوده أنه كان يقول عندما يأوى إلى فراش النوم:
بسم الله، اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، فتوكلت عليك، رهبة منك، ورغبة إليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت. ثم يسبح تسبيح الزهراء (عليها السلام).
فهذه الروايات التي تجسد عمق تعلق الإمام الباقر (عليه السلام) بربه الأعلى سبحانه، تعبر في ذات الوقت عن نفس ذابت في حب الله، وطلب الزلفى لديه، واستشعار رحمته في كل آن، والتوجه إليه في الروح والقلب والجوارح كلها معا، الأمر الذي لا يتوفر أبدا إلا للمقربين من أولياء الله تعالى دون سواهم.
ولقد بلغ من تعلق الإمام محمد الباقر (عليه السلام) بالله تعالى أن أصبحت الدار الآخرة، ولقاء الله تعالى فيها، كل همه وتفكيره، حتى ملأت آفاق عقله وقلبه، فمما روي عنه (عليه السلام) أنه خاطب جابر بن يزيد الجعفي - عليه الرحمة - بقوله:
أصبحت والله يا جابر محزونا مشغول القلب. فأجابه جابر: جعلت فداك ما حزنك وشغل قلبك؟ فقال (عليه السلام): يا جابر، إنه حزن هم الآخرة، يا جابر من دخل قلبه خالص حقيقة الإيمان شغل عما في الدنيا من زينتها، إن زينة زهرة الدنيا إنما هو لعب ولهو، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، وإن المؤمن لا ينبغي له أن يركن ويطمئن إلى زهرة الحياة الدنيا، واعلم أن أبناء أهل الدنيا هم أهل غفلة وغرور وجهالة، وأن أبناء الآخرة هم المؤمنون العاملون الزاهدون، أهل العلم والفقه وأهل فكرة واعتبار لا يملون من ذكر الله.
واعلم يا جابر أن أهل التقوى هم الأغنياء، أغناهم القليل من الدنيا، فمؤونتهم يسيرة، إن نسيت الخير ذكروك، وإن عملت به أعانوك، أخروا شهواتهم ولذاتهم خلفهم، وقدموا طاعة ربهم أمامهم، ونظروا إلى سبيل الخير