إن الحكم الذي يسعه أن يزعم أنه يقتدي بالحكم العلوي، هو ذلك الذي لا يضحي بالعدالة ويئدها على مذبح المصلحة، فليس في النظام العلوي مصلحة أعلى من مصلحة إقامة العدل.
وأخيرا، فإن بمقدور الحكم أن يعلن أن مثاله الأعلى الذي يحتذي به هو علي، إذا ما استطاع أن يحكم القلوب عبر منهج تقديم العدالة على المصلحة، لا أن يحكم الأجساد ويقبض سيطرته عليها، عبر منهج ترجيح المصالح العابرة!
2 - احترام الحقوق المتبادلة بين الدولة والأمة في منطق الإمام لا يمكن أن يدوم بقاء الدول في المجتمعات إلا إذا احترم النظام الحاكم حقوق الشعب، وفي الطرف الآخر أبدى الشعب احترامه لحقوق النظام الحاكم عليه. وإلا فمن دون رعاية الحقوق المتبادلة بين الدولة والشعب لا يمكن تحقق العدالة الاجتماعية.
وطبيعي أن رعاية هذا الأمر هي عملية شاقة، ففي دائرة الكلام يحترم الجميع الحق، لكن في دائرة العمل يتضاءل أهل الحق وينحسر عددهم (أكثرهم للحق كرهون) وبتعبير جميل للإمام أمير المؤمنين نفسه: " الحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف ". لهذا كله لم تتخط العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان على مر التأريخ كله تخوم الشعار، بل تحول هذا الشعار - أيضا - إلى أداة لابتزاز حقوق الناس والاعتداء عليها أكثر.
وعلى مدى عصور التاريخ الإسلامي بعد عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنحت فرصة استثنائية واحدة لجهة استقرار العدالة الاجتماعية تمثلت في العهد القصير الذي أمضاه الإمام علي في الحكم، بيد أن الأمة لم تغتنم هذه الفرصة، بل وقع الظلم على حكم الإمام من قبل الرعية ذاتها، حتى قال (عليه السلام): " إن كانت الرعايا قبل