لتشكو حيف رعاتها، فإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي ".
وهكذا مضى علي وقد اصطحب العدالة معه، وهذه هي مسؤوليتنا حاضرا في أن نتعلم من أولئك ونأخذ العبرة منهم، ونوطئ الأرضية المطلوبة لاستقرار العدالة الاجتماعية.
3 - تنمية الحريات المشروعة والبناءة تأتي الحرية خطوة أولى في سبيل تحقيق العدالة واحترام حقوق الأمة، بيد أن المراد منها هو الحرية البناءة لا الهدامة، حرية الانعتاق من أسار القيود الداخلية (الذاتية) والأغلال الخارجية. هذه الحرية هي نفسها التي دعا القرآن إليها الناس، في قوله سبحانه: (ويضع عنهم إصرهم والأغلل التى كانت عليهم).
وهي ذاتها التي عناها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعدها بمنزلة فلسفة بعثة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو يقول: " إن الله بعث محمدا ليخرج عباده من عبادة عباده إلى عبادته... ومن ولاية عباده إلى ولايته ".
في المنهج العلوي الناس أحرار بأجمعهم ولا يسوغ أن يكونوا عبيد غيرهم، وأن ما يجر الإنسان إلى نير العبودية، ويدفع الأنظمة إلى التجبر والتسلط والطغيان، هي الأغلال الداخلية والعبودية الباطنية. فإذا ما أراد المجتمع الإنساني أن يرتقي ذرى الحرية، ويبلغ الاستقلال الحقيقي، فيتحتم عليه في البدء أن يحكم الارتباط بالله، ويقوم بشروط العبودية لله بحسب تعبير الإمام أمير المؤمنين.
إن شروط العبودية لله هي في الحقيقة قوانين الحرية الواقعية للناس، وإذا لم تذعن الإنسانية إلى هذه الشروط، فستغدو حريتها واستقلالها الخارجي حالة مؤقتة؛ وهي عائدة إلى العبودية حتما.