وقال طلحة: ما اللوم إلا علينا، كنا معه أهل الشورى ثلاثة فكرهه أحدنا - يعني سعدا - وبايعناه فأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا نرجو غدا ما أخطأنا اليوم.
فإن قلت: فإن أبا بكر قسم بالسواء كما قسمه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فما الفرق بين الحالتين؟
قلت: إن أبا بكر قسم محتذيا لقسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما ولي عمر الخلافة وفضل قوما على قوم ألفوا ذلك ونسوا تلك القسمة الأولى، وطالت أيام عمر، وأشربت قلوبهم حب المال وكثرة العطاء، وأما الذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا على القناعة، ولم يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما، فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومن ألف أمرا أشق عليه فراقه، وتغيير العادة فيه، فلما ولي أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر، وقد نسي ذلك ورفض وتخلل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشق ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه حتى حدث ما حدث من نقض البيعة ومفارقة الطاعة، ولله أمر هو بالغه (1).
1340 - الإمام علي (عليه السلام) - في أول خطبة خطبها بعد بيعة الناس له على الأمر، وذلك بعد قتل عثمان -: أما بعد، فلا يرعين مرع إلا على نفسه، شغل عن الجنة من النار أمامه، ساع مجتهد، وطالب يرجو، ومقصر في النار، ثلاثة، واثنان: ملك طار بجناحيه، ونبي أخذ الله بضبعيه (2)، لا سادس.