حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا فرأيت القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله فلما انصرف من صلاته نظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا ونادى في الناس لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر، وارتحل رسول الله (ص) من منزل العقبة فلما نزل المنزل الآخر رأى سالم مولى أبي حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا فوقف عليهم وقال: أليس قد أمر رسول الله أن لا يجتمع ثلاثة من الناس على سر والله لتخبروني عما أنتم عليه وإلا أتيت رسول الله حتى أخبره بذلك منكم فقال أبو بكر يا سالم عليك عهد الله وميثاقه لئن نحن خبرناك بالذي نحن فيه فإن أحببت أن تكون معنا دخلت وإلا كتمت فقال سالم لكم ذلك قال حذيفة وكان سالم شديد البغض لعلي وعرفوا ذلك منه فقالوا له إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب بعده فقال عليكم عهد الله وميثاقه في هذا كنتم تخوضون قالوا نعم، فقال أنا والله أول من يعاقدكم على هذا الأمر ولا يخالفكم عليه إنه والله ما طلعت شمس على أهل بيت أبغض إلي من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض ألي من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الأمر ما بدي لكم فإني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الأمر، فلما أراد رسول الله (ص) المسير أتوه فقال لهم فيم كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم عن النجوى فقالوا ما التقينا غير وقتنا هذا فنظر إليهم مليا ثم قال لهم: " أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون " ثم سار حتى دخل المدينة واجتمع القوم جميعا وكتبوا بينهم صحيفة وكان أول ما فيها النكث لولاية علي وأن الأمر لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم ليس بخارج وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا، قال حذيفة حدثتني أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر أن القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر وكتب سعيد بن العاص الصحيفة: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اتفق عليه الملأ من أصحاب محمد رسول الله من المهاجرين والأنصار وكتبوا هذه الصحيفة نظرا منهم إلى الإسلام وأهله ليقتدي بهم من يأتي بعدهم من المسلمين: أما بعد فإن الله بعث محمدا رسولا إلى الناس كافة
(٧٥)