فرغ من صلاته اقبل على فطوره، فلما نظر إليه وتأمله حرك رأسه وبكى بكاء شديدا عاليا وقال: يا بنية ما ظننت ان بنتا تسوء أباها كما أسأت أنت إلي، قالت: وماذا يا أبا؟
قال: أتقدمين إلى أبيك أدامين في طبق واحد، أتريدين ان يطول وقوفي غدا بين يدي ربي عز وجل يوم القيامة، أنا أريد ان اتبع أخي وابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قدم إليه أدامان في طبق واحد إلى أن قبضه الله تعالى إليه.
يا بنية: ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عز وجل يوم القيامة.
يا بنية: ان الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب.
يا بنية: قد اخبرني حبيبي رسول الله (ص): ان جبرئيل نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض وقال: يا محمد ربك يقرؤك السلام ويقول: ان شئت سيرت معك جبال تهامة ذهبا وفضة وهذه مفاتيح كنوز الأرض ولا ينقص من حظك يوم القيامة، قال: يا جبرئيل وما يكون بعد ذلك؟ قال: الموت، فقال: إذن لا حاجة لي في الدنيا، دعني أجوع يوما وأشبع يوما، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلى ربي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي وأحمده، فقال له جبرئيل: وفقت لكل خير ثم قال " ع ": يا بنية الدنيا دار غرور ودار هوان، فمن قدم شيئا وجده.
يا بنية: والله لا آكل شيئا حتى ترفعين أحد الأدامين، فلما رفعته تقدم إلى الطعام فأكل قرصا واحدا بالملح الجريش، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قام إلى مصلاه فلم يزل راكعا وساجدا ومبتهلا ومتضرعا إلى الله سبحانه، وكان يكثر من الدخول والخروج وينظر إلى السماء فيقول: والله هي، ثم يرجع إلى مصلاه وهو قلق يتململ ثم يقرأ سورة يس حتى ختمها، فرقد هنيئة وانتبه مرعوبا وجعل يمسح وجهه بثوبه ونهض قائما على قدميه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم صلى حتى مضى بعض الليل، ثم جلس للتعقيب، ثم نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه من نومه مرعوبا.
قالت أم كلثوم: كأني به قد جمع أولاده وأهله وقال لهم: في هذا الشهر