الرابع والعشرون: قال العلماء رضي الله عنهم: كان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة، منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من ترك الرماة موقعهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منه.
ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة، كما سيأتي في قصة هرقل مع أبي سفيان، وقوله له: هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى. قال هرقل: كذلك الرسل، تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم، ولم يتميز الصادق من غيره، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على عدوهم يوم بدر، وطار لهم الصيت دخل معهم ظاهرا في الاسلام من ليس معهم فيه باطنا، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من بعثة الرسل، فاقتضت الحكمة الجمع بين الامرين ليتميز الصادق من الكاذب، وذلك أن نفاق جماعة ممن يدعي الايمان كان مخفيا عن المسلمين، فلما جرت هذه القصة، وأظهر أهل النفاق ما أظهروا من الفعل والقول، عاد التلويح تصريحا، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم.
ومنها: أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها، فلما ابتلي المؤمنون صبروا، وجزع المنافقون.
ومنها: أن الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن، ليصلوا إليها.
ومنها: أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها الله تعالى إليهم.
ومنها: أنه تعالى إذا أراد إهلاك أعدائه قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك، من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين، ومحق به الكافرين.
ومنها: أن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام، تعظيما لاجرهم، تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره، والعاقبة للمتقين.
الخامس والعشرون: في فضل شهداء أحد: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:
قال: لما أصيب أبي يوم أحد جئ به مسجى وقد مثل به، وفي رواية: جئ به مجزعا فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ينهاني، وجعلت فاطمة بنت عمرة تبكيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا