ويبشر الناس بالجنة، ويشجعهم بنزول الملائكة - والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم - حصل لهم السكينة والطمأنينة، وقد حصل النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة والثبات والايمان، كما قال تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) [الأنفال 11]. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: النعاس في المصاف من الايمان، والنعاس في الصلاة من النفاق.
ذكر التحام القتال ومقتل عمير بن الحمام رضي الله عنه قال ابن إسحاق وغيره: ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم فقال: " قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ". فقال - كما في صحيح مسلم (1) وغيره - عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن: بخ بخ يا رسول الله، عرضها السماوات والأرض؟! قال: " نعم ". قال: أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ وفي رواية قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وذكر ابن جرير أن عميرا قاتل وهو يقول:
ركضا إلى الله بغير زاد * إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد * وكل زاد عرضة النفاد غير التقى والبر والرشاد قال ابن عقبة: فكان أول قتيل قتل من المسلمين، وقال ابن سعد: مهجع مولى عمر بن الخطاب.
مقتل عوف بن الحارث قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال: يا رسول الله: مم يضحك الرب من عبده؟ قال: " غمشه يده في العدو حاسرا؟ " فنزع درعا كانت عليه فألقاها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضي الله عنه.
وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه قتالا شديدا، وكذلك أبو بكر رضي الله عنه، كما كانا في العريض يجاهدان بالدعاء والتضرع، ثم نزلا فحرضا وحثا على القتال، وقاتلا بأبدانهما، جمعا بين المقامين.
روى ابن سعد، والفريابي، عن علي رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر وحضر البأس أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتقينا به، وكان أشد الناس بأسا يومئذ. وما كان أحد أقرب إلى المشركين