الباب السابع في بيان غزوة بدر الكبرى ويقال لها: العظمى، وبدر القتال، ويوم الفرقان، كما رواه ابن جرير وابن المنذر، وصححه والحاكم عن ابن عباس، قال: لان الله تعالى فرق فيه بين الحق والباطل. وهي الوقعة العظيمة التي أعز الله تبارك وتعالى بها الاسلام، ودفع الكفر وأهله، وجمعت الآيات الكثيرة والبراهين الشهيرة، وليحقق الله تعالى ما وعدهم من إحدى الطائفتين، وما أخبرهم به من ميلهم إلى العير دون الجيش، ومجئ المطر عند الالتقاء، وكان للمسلمين نعمة وقوة، وعلى الكفار بلاء ونقمة. وإمداد الله تعالى المؤمنين بجند من السماء حتى سمعوا أصواتهم حين قالوا: أقدم حيزوم، ورأوا الرؤوس تتساقط من الكواهل من غير قطع ولا ضرب، وأثر السياط في أبي جهل وغيره، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالحصا والتراب حتى عمت رميته الجميع، وتقليل المشركين في أعين المسلمين، ليزيل عنهم الخوف، ويشجعهم على القتال، وإشارة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى مصارع المشركين بقوله: هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان، فرأى المسلمون ذلك على ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم وذكره، وقوله لعقبة بن أبي معيط: إن وجدتك خارج جبال مكة قتلتك صبرا، فحقق الله تعالى ذلك، وإخبار عمه العباس بما استودع أم الفضل من الذهب، فزالت شبهة العباس في صدقه وحقيقة نبوته، فازداد بصيرة ويقينا في أمره، وتحقيق الله تبارك وتعالى وعده للمؤمنين، إذ يقول: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم) [الأنفال 70] فأعطى العباس بدل عشرين أوقية عشرين غلاما يتجرون له بماله.
وإطلاع الله تعالى رسوله على ائتمار عمير بن وهب وصفوان بن أمية بمكة على قتله صلى الله عليه وسلم، فعصمه الله تعالى من ذلك وجعله سببا لاسلام عمير بن وهب، وعاد إلى مكة داعيا إلى الاسلام. إلى غير ذلك من الآيات والمعجزات التي أعطاها الله لرسول صلى الله عليه وسلم، وأراها من معه من المؤمنين فزادتهم بصيرة ويقينا.
ورد عين قتادة بعدما سالت عن خده، والصحيح أن ذلك كان في أحد. وكانت غزوة بدر الكبرى أكرم المشاهد.
والسبب في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليها أنه سمع أن أبا سفيان بن حرب مقبل من الشام في ألف بعير لقريش، فيها أموال عظام، ولم يبق بمكة قرشي ولا قرشية له مثقال فصاعدا إلا بعث به في العير، فيقال: إن فيها خمسين ألف دينار، ويقال أقل. وفيها سبعون رجلا كما ذكر ابن عقبة وابن عائذ. وقال ابن إسحاق: ثلاثون أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص، وأسلما بعد ذلك، وهي التي خرج لها حتى بلغ العشيرة فوجدها قد مضت. وندب المسلمين