والعشاء، والناس في المسجد يوقدون النيران، يتمكدون بها من الجراح.
وأذن بلال العشاء حتى غاب الشفق الأحمر، فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ذهب ثلث الليل، ثم ناداه، الصلاة يا رسول الله، فهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وخرج، فإذا هو أخف في مشيته منه حين دخل، وسمع البكاء، فقال: " ما هذا "؟ فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة، فقال: " رضي الله عنكن وعن أولادكن "، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن.
وذكر ابن هشام أنه صلى الله عليه وسلم خرج عليهن، وهن على باب المسجد يبكين على حمزة فقال: " ارجعن رحمكن الله، ولقد واسيتن، رحم الله الأنصار، فإن المواساة فيهم ما علمت قديمة "، فرجعن بليل مع رجالهن.
وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن ابن عمر، وعن أنس، والإمام أحمد، وابن ماجة بسند صحيح، عن ابن عمر، والطبراني، عن ابن عباس رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهن فقال: لكن حمزة لا بواكي له، فبلغ النساء، ذلك، فجئن فبكين على حمزة، فانتبه من الليل فسمعهن وهن يبكين، فقال:
ويحهن ما زلن يبكين منذ الليلة. مروهن ليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم " (1).
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم رجع إلى بيته وقد صف له الرجال ما بين بيته إلى مصلاه يمشي وحده حتى دخل، وباتت وجوه الأوس والخزرج على بابه في المسجد يحرسونه، فرقا من قريش أن تكر.
ذكر إظهار المنافقين واليهود الشماتة والسرور بما حصل للمسلمين ولما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما حصل جعل عبد الله بن أبي ابن سلول والمنافقون يشمتون ويسرون بما أصاب المسلمين، ويظهرون أقبح القول، فيقول ابن أبي لابنه عبد الله وهو جريح قد بات يكوي الجراحة بالنار: ما كان خروجك معه إلى هذا الوجه برأي، عصاني محمد وأطاع الولدان، والله لكأني كنت أنظر إلى هذا. فقال ابنه: الذي صنع الله تعالى لرسوله وللمسلمين خير. وأظهر اليهود القول السيئ، فقالوا: ما محمد إلا طالب ملك، ما أصيب هكذا نبي قط، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه. وجعل المنافقون يخذلون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، ويأمرونهم بالتفرق عنه ويقولون: لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل.
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك في أماكن، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأذنه